برغم تميز المصريين منذ أقدم العصور بإهتمامهم وقدراتهم في إدارة الأراضي والمياه وتعظيم عوائدها وإنتاجها, فإن ذلك ظل مرهونا لقرون عديدة بظروف وطبيعة إيراد نهر النيل. فإذا جاد انتعشت الزراعة والإنتاج. وإذا غاض عاني المصريون الجفاف وقلة الإنتاج, وإذا فاض غرقت ودمرت الأراضي والممتلكات وهلكت الأرواح. ومن ثم اتجه المصريون إلي إعمال الفكر والعقل والوسائل الكفيلة بترويض النهر وكبح جماحه بإنشاء سدود صغيرة وتحويلات علي الروافد القديمة علي جانبي النهر لعل أشهرها سد الكفرة جنوب حلوان, وخزان منخفض بحيرة موريس بموقع محافظة الفيوم حاليا, وقيام الملك الفرعوني مينا وخلفائه بإقامة جسور للنيل وتدعيمها من حين لآخر لحماية وادي النيل. وفي بداية القرن التاسع عشر اتجه الفكر والبحث المتعمق نحو تحسين وسائل التحكم في إيراد النهر وتحسين إدارة مياهه للتوسع في زراعات القطن والزراعات الصيفية حيث بدأ في عام1820 بإستكشاف منابع وأحواض النهر وإمكانيات إقامة السدود والقناطر علي مجري النهر الرئيسي. وتركزت هذه الدراسات في مناطق أسوان والسلسلة ورأس الدلتا حيث فروع النيل الرئيسية ورياحاته. وفي عام1843 بدأ إقامة قناطر علي فرعي دمياط ورشيد شمال القاهرة لتحسين إدارة مياه النيل ورفع مناسيب المياه لتغذية الترع بهدف التحول من الري الحوضي الي الري المستديم والتوسع في الزراعات الصيفية. وتواصلت الاهتمامات والطموحات التي تمخضت فيما بين عام1897 وعام1902 إلي إنشاء خزان أسوان القديم وقناطر أسيوط وزفتي, ثم تلا ذلك إنشاء قناطر إسنا عام1908 ونجع حمادي عام1930 وقناطر إدفينا عام1951 علي مجري النهر الرئيسي وفرعيه دمياط ورشيد. ونظرا لأن هذه القناطر الكبري لم تكن إلا وسيلة لرفع مناسيب المياه أمامها بقدر محدود لتغذية الترع الآخذة من أمامها متي كان الإيراد المائي مناسبا لذلك, كما أن قدرة التخزين أمام خزان أسوان كانت محدودة القدر وكانت تتم عادة بعد فترة الفيضان ولكنها لا تزيد عن5 ر5 مليار متر مكعب في العام بعد تعليته مرتين, مما أدي إلي حتمية دراسة إيجاد آلية ووسيلة فاعلة للتحكم الشامل في إيراد النهر وإتاحة تخزين مائي مستمر يقي من الفيضانات العالية المدمرة والوفاء بالإحتياجات خلال سنوات الإيراد المنخفض ومجابهة أخطار الجفاف. بزوغ فكرة إنشاء خزان لتنظيم إدارة النهر خلال حقبة الأربعينات من ذات القرن إنجزت وزارة الأشغال العمومية( تفتيش ضبط النيل) دراسة وافية حول متطلبات وآليات تنظيم الإيراد والمشروعات التي يمكن النظر فيها للتحكم الشامل في إيراد النهر وكبح جماحه إذا فاض أو غاض, وإستغلال مياهه الإستغلال الأمثل لأغراض التنمية وحبذا ما يتصل منها بالتوسع الزراعي الأفقي وتوليد طاقة كهربائية تمكن مصر من الدخول في مجالات التنمية الزراعية والصناعية والحضرية وخلافه. وقدم لهذه الدراسة المرحوم المهندس عبد القوي أحمد( وزير الأشغال العمومية) بقوله' إنه لم يعد هناك مجال للتفكير في مشروعات للإدارة الموسمية للمياه المرتبطة بظروف الإيراد السنوي للنهر والتخزين السنوي المحدود الكمية وعدم القدرة علي مجابهة الفيضانات العالية وأن البديل الأفضل هو التخزين القرني المستمر طويل المدي من خلال سد وخزان ضخم يتحقق من خلاله طموحات شعب مصر في التنمية وتحسين إدارة المياه والتحكم في أخطار الفيضانات وأهوال الجفاف'. من هنا كان تفضيل فكرة السد العالي علي اقتراح تعلية خزان أسوان للمرة الثالثة, ومن هنا أيضا ترسخت فكرة بناء السد العالي والذي تبنته الدولة وتحمست له الجماهير. التحديات والمجابهات تم خلال حقبة الخمسينات من القرن الماضي تركيز الدراسات والبحوث المكتبية والحقلية علي المواقع المثلي لإنشاء السد العالي ما بين أسوان ووادي حلفا حيث أستقر الرأي علي موقعه الحالي أمام خزان أسوان القديم, حيث قام علي دراسة جدواه وتصميماته أفضل الخبرات الغربية والوطنية. وتم توقيع إتفاق للتعاون لإنجاز المشروع بين مصر والاتحاد السوفيتي في عام1958, وتوقيع إتفاقية الإنتفاع المشترك بمياه النيل وبين مصر والسودان في عام1959 وليتم السير في إنشاء المشروع خلال عشر سنوات ما بين عام1960 وعام.1970 وأمكن الاستفادة الجزئية منه عقب مرحلته الأولي التي أنجزت في شهر مايو عام1964 والتي أعقبها فيضان عالي أمكن التحكم فيه وكسر حدته وثورته بالتخزين الجزئي أمام السد لحوالي عشرة مليارات متر مكعب من المياه كانت ستسبب مشاكل الإغراق واللجوء لصرفها هباء إلي البحر. ومع تقدم العمل تم احتجاز جميع فائض الفيضان في عام.1968 أهم عوائد السد العالي كان السد العالي_ وما زال_ وسيظل_ هو ركيزة التنمية في شتي المجالات وآداة فاعلة في إدارة مياه نهر النيل والتحكم في تصرفاتها وفقا للأحتياجات وذلك من خلال تحقيق: 1 تأمين مصر_ الشعب والأرض والأرواح والممتلكات_ من أخطار غرق الفيضانات العالية والتي كانت قبل بناء السد العالي تغرق وادي النيل ما بين المنياوالقاهرة وتقطع جسورا فرعية( في دمياط ورشيد والغربية والمنوفية والدقهلية). 2 تحويل ما يقرب من مليون فدان من نظام الري الحوضي إلي نظام الري المستديم والإستزراع المكثف لها,وإستصلاح ما يربو علي مليوني فدان علي حواف وادي ودلتا النيل. 3 تحقيق وتوفير متطلبات المياه والطاقة والتي امتدت إلي ريف مصر وقراه, وحاليا إلي المشروعات القومية الكبري في جنوبالوادي وشماله وحواف وادي النيل ودلتاه وشمال سيناء. بالإضافة إلي متطلبات التنمية الصناعية والحضرية. 4 تحقيق مرونة كافية في إدارة المياه وتنوع التراكيب المحصولية ومواعيد الزراعة مما تحقق معه جودة ووفرة العائد والإنتاج. وتوليد ما يزيد عن عشرة مليارات كيلوات ساعة من الطاقة الكهربائية المائية سنويا وهي طاقة نظيفة صديقة للبيئة رخيصة التكاليف. 5 هذا بخلاف العوائد الاجتماعية والإقتصادية الأخري المباشرة وغير المباشرة والتي من بينها التنمية السياحية والصناعية وتحسين نظم الملاحة علي طول مجري النيل وفروعه من الإسكندرية وحتي وادي حلفا إتصالا بالسودان الشقيق. إن السد العالي هو الذي جعل نصيب الفرد من المياه الإستراتيجية المخزونة ضمن أفضل الدول المتحكمة في مياهها وتطوير إمكانيات التنمية لنصيب الفرد من الموارد المائية بخزانات السدود الكبري( طبقا لتقرير اللجنة الدولية للسدود الكبري). ووصفته مجموعة الخبراء الدوليين في عام1986 في حصيلة تقريرها عن أمن وسلامة السد العالي ضد الهزات الأرضية وإحتمالية الفيضان والإغراق خلفه' تتفق المجموعة علي أن السد العالي يمكنه بكفاءة وثبات تحمل أكبر هزة أرضية محتملة علي المدي البعيد جدا, والتي لن تؤثر رغم ضآلة حدوثها علي سلامة وتكامل بنياته.. كما أن أي تصور لاحتمالات فيضانات وإغراق لوادي ودلتا النيل مع وجود السد العالي هو إفتراض خيالي وتخيلي'.