بعد اغتيال ثلاثة من مرشحي القائمة العراقية الفائزة بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان العراقي بمقتضي نتائج الانتخابات التي اجريت في مارس الماضي, وبعد اعتقال عدد من اعضاء تلك القائمة, وتواري عدد آخر منهم عن الأنظار تحاشيا لمحاولات الاغتيال المحتملة, أعلن اخيرا عن محاولة لاغتيال أياد علاوي زعيم العراقية ورئيس الوزراء الأسبق. وعلي الرغم من أن سياسة الاغتيالات لم تكن يوما استثناء في العراق, لاسيما أن علاوي ذاته تعرض لمحاولات اغتيال عديدة من قبل, واحدة منها أسفرت عن مقتل زوجته بلندن في ابريل1978, غير أن توقيت هذه المحاولة يشير إلي أن ثمة أطرافا داخل المعادلة السياسية العراقية باتت تعي وفق نسقها الإدراكي أن الاقصاء السياسي والتصفية الجسدية ربما يكونان هما الطريق الأسهل لاعتلاء سدة السلطة في دولة مازالت خاضعة للاحتلال الأمريكي من جانب, وللاختراق الأمني والسياسي من دول الجوار الجغرافي من جانب آخر. مباراة صفرية إن الانباء المتعلقة بوجود محاولة لاغتيال علاوي تشير إلي أن نظرية المباراة الصفرية مازالت تحتل حيزا كبيرا من قبل الفرقاء كسبيل لإنهاء الجدل السياسي والقانوني حول الكتلة صاحبة الحق الدستوري في تشكيل الحكومة العراقية. كما أنها تكشف عن أن ثمة إصرارا علي استبعاد علاوي من قيادة الحكومة, باعتبار أن قائمته هي صاحبة العدد الأكبر من المقاعد بمقتضي نتائج الانتخابات حيث حصلت علي91 مقعدا من أصل325 تشكل مجمل مقاعد البرلمان, وهي الرسالة التي من المرجح أن يكون لها صدي واسع, باعتبار أن علاوي ليس سياسيا شيعيا فحسب, وإنما أيضا مرشح يمثل الخيار الأول للقاعدة الانتخابية السنية في العراق, التي تنظر إلي محاولات اقصاء القائمة العراقية من تشكيل الحكومة المقبلة باعتبارها انقلابا سياسيا, يحول دون الحصول علي ثمار الاستحقاق الانتخابي, الذي تمت حيازته عبر مشاركة سياسية كثيفة في العملية الانتخابية الأخيرة مقارنة بالانتخابات السابقة. في هذا السياق يبدو واضحا أن عملية تشكيل الحكومة العراقية, ليست خاضعة للسجالات والصفقات السياسية بين الكتل السياسية الرئيسية فقط, وليس كذلك للتوافقات السرية والتجاذبات الإقليمية بين القوي ذات النفوذ في العراق, وإنما ترتبط كذلك ب طبيعة الروح ونمط التفكير السائد في العراق حيال إدارة الصراعات بين الائتلافات السياسية, والتي من المفترض أن تتوصل سريعا إلي اتفاق أقرب إلي الصفقة الشاملة حيال الرئاسات الثلاث( الحكومة والبرلمان والدولة), لاسيما في ظل اتجاه واشنطن إلي تخفيض عدد قواتها في العراق من83 ألف جندي إلي زهاء50 ألفا بنهاية أغسطس المقبل. إن عودة العنف إلي العراق وإعادة تشكل النوازع الطائفية, في ظل تمترس كل الائتلافات السياسية وراء مطالبها, قد ينذر بمستقبل غير مأمون العواقب بالنسبة لمستقبل تشكيل الحكومة العراقية, وأيضا لمجمل العملية السياسية, إذ لايوجد نص قانوني أو دستوري في العراق يقر بوجود ما يسمي الفراغ السياسي, ويضاعف من هذا المأزق تدهور حال الخدمات وانتشار الفوضي الأمنية وازدياد مظاهر الفساد, وتبلور نوع ما من العصيان الشعبي, الذي عبر عن نفسه في المظاهرات التي عمت أرجاء واسعة من البلاد بسبب استمرار انقطاع الكهرباء, وهو الأمر الذي تم احتواؤه نسبيا بقبول استقالة كريم وحيد وزير الكهرباء العراقي. وعلي الرغم من أن ذلك كان من المفترض أن يشكل قوة ضاغطة لإحداث توافق سياسي بشأن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة, غير أن ذلك لم يحدث ولايبدو أنه سيكون ناجزا في وقت قريب بالنظر إلي محدودية الخيارات التي تنتجها عملية تخندق التكتلات السياسية في العراق, وراء مصالحها الضيقة. وعلي الرغم من قيام ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي في أوائل مايو الماضي بإعادة إحياء ائتلافه القديم مع الائتلاف الوطني العراقي, وذلك من أجل قطع الطريق علي تشكيل إياد علاوي للحكومة العراقية المقبلة, غير أن الهشاشة مازالت هي السمة الابرز لهذا التحالف الجديد, الذي يحمل فيما يبدو بذور انهياره في داخله, ذلك أنه فيما يسعي المالكي لأن يطرح نفسه كمرشح وحيد للائتلاف, فإن التيار الصدري باعتباره القوة النافذة داخل هذا الائتلاف وفق نتائج الانتخابات الأخيرة, يعارض ذلك ويرهن موافقته علي إعادة تولي المالكي للحكومة العراقية, بتفريغ منصب رئيس الحكومة من أغلب صلاحياته, ليصبح رئيس الوزراء العراقي القادم رئيسا بلا وزارة او حاكما بلا سلطة, وفي هذا السبيل يقترح الصدريون بدلا من وجود نائب واحد لرئيس الوزراء, وجود ثلاثة نواب أحدهم يتولي الشئون الأمنية والثاني تخضع لسلطته الشئون المالية والثالث يشرف علي شئون الخدمات, وهو أمر يستدعي تعديلا دستوريا في حالة التوافق عليه. كما أعد الصدريون وثيقة مكونة من50 مادة تحدد علي نحو دقيق السلطات الضيقة التي سيتمتع بها رئيس الوزراء وماهية وظيفته في العراق. ومع أن قبول المالكي مرحليا بذلك قد يكون استراتيجية ملائمة للوصول إلي السلطة, ليبقي لكل حادث حديث, غير أن هناك صعوبة اخري تتجلي في التخوفات التي يبديها بدوره المجلس الإسلامي الأعلي بقيادة عمار الحكيم, من تولي حزب الدعوة رئاسة الحكومة العراقية لثلاث دورات متتالية, حيث سبق لكل من المالكي وإبراهيم الجعفري من حزب الدعوة بجناحيه رئاسة الحكومة, ويري أن تحاشي تحول هذه المسألة إلي عرف غير مكتوب يستدعي أن يكون رئيس الوزراء من الكتلة الانتخابية التي خاضت الانتخابات تحت مظلة الائتلاف الوطني وليس من خارجها. هذا فيما يبدو أن الأكراد بدورهم لم يحسموا كامل خياراتهم, فعلي الرغم من اتفاق الكتل السياسية الأربع الرئيسية علي التفاوض بشكل جماعي مع الائتلافات السياسية العراقية الأخري, غير أن ثمة تباينا في التوجهات يلوح في الأفق, ففيما يري نوشيروان مصطفي زعيم حزب جوران أو التغيير بالكردية, أن الأكراد ينبغي أن يحصلوا علي منصب رئيس البرلمان بديلا عن منصب رئيس الجمهورية, نظرا لصلاحياته الأوسع, غير أن ذلك يعني حرمان جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني من رئاسة الدولة, وهو المنصب الذي يتوق إليه, فيما يري مسعود بارزاني أن استمرار طالباني علي رأس الدولة يحقق له الهدف الخاص بابقاء طالباني بعيدا عن إقليم كردستان, كما يري بارزاني أن علاوي قد يكون الأحق بمنصب رئاسة الوزراء بمقتضي التفويض الشعبي, الذي حصل عليه في الانتخابات الأخيرة, وهو ما يجب الانصياع له. الأحزاب الكردية علي الرغم من ذلك تتفق علي أن المشاركة في الحكومة المقبلة مرهونة بالاستجابة الصعبة لتطلعات الأكراد بشأن تنفيذ المادة ال140 من الدستور, والتوصل إلي حل بشأن المناطق المتنازع عليها, وتوفير التمويل اللازم لقوات البشمركة الكردية, ودمجها في قوات الجيش العراقي. مستقبل غامض الصورة تبدو معقدة بما يكفي, لتنذر بأن لاتشكيل للحكومة في وقت قريب, بما يدفع القوي السياسية إلي البحث عن خيارات أخري لايستبعد منها الإقصاء السياسي والتصفية الجسدية. وعلي الرغم من أن لقاء كسر الجليد الذي جمع علاوي بالمالكي في12 يونيو, كان من المفترض أن يسهم في خفض حدة الاستقطاب السياسي في العراق, غير أن المؤشرات جميعها تؤكد أن كل القوي السياسية العراقية, وكذلك مختلف القوي الإقليمية المساندة لها, مازالت تغلب الخاص علي المصلحة العامة للعراق, بما يعني استمرار الازمة حتي إشعار آخر, وهو حال لن ينهيه غير تغير قواعد اللعبة السياسية في العراق بتغليب إرادة طرف علي آخر, ليكون نتيجة ذلك فوزا في الوقت بدل الضائع, ومع أن فرص تحقق ذلك قد تكون محدودة, غير أن عواقبه ستغدو أقل وطأة مقارنة بتحقيق انتصار مزيف من خلال تصفية الخصوم للاستئثار بفرص رئاسة الحكومة, لما لذلك من تداعيات جسيمة بالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب العراقي.