يخوض الرئيس الأمريكي باراك أوباما مواجهات صعبة في ملفات عديدة خلال قمة الدول العشرين الأكبر إقتصاديا والتي تبدأ اليوم في مدينة تورنتو الكندية لبحث أزمات الإقتصاد العالمي. حيث يريد في المقام الأول أن يحقق نصرا سياسيا- ولو معنويا- علي' العملة الصينية' بعد شهور من خطاب حالة الإتحاد الذي أكد خلاله أن أمريكا في مواجهة صريحة مع شعار' الصين تنتج.. وامريكا تستهلك'.. وإذا لم يحقق أوباما هذا الهدف سيزيد رصيد حرج إدارته أمام الناخبين الأمريكيين بندا جديدا قبل أربعة شهور فقط من إنتخابات الكونجرس. طوال الشهور القليلة الماضية كان هدف الدوائر المالية والاقتصادية الأمريكية هو تقليم أظافر العملة الصينية التي تكمن قوتها في ضعف قيمتها وبالتالي المستفيد الأول هو الصادرات الصينية التي غزت العالم في السنوات العشر الأخيرة علي نحو بات يخيف القلاع الصناعية التقليدية في الغرب. من ناحية اخري سيكون إنتصار قمة العشرين في قضية' اليوان' الصيني هو مؤشر علي نجاح ما ذهبت إليه' استراتيجية الأمن القومي الأمريكي' التي أعلنها أوباما قبل أسابيع والتي ذكرت أن مجموعة العشرين ستكون المنبر الأكثر إتساعا لمناقشة القضايا العالمية مع الشركاء الدوليين وهو تطور مهم علي مستوي العلاقة بين الكبار حيث باتت الصين قوة دولية لا يمكن إغفالها بعد أن كانت في السابق مجرد ضيف علي قمم الدول الصناعية الكبري. ويرفض الكونجرس الأمريكي الإعلان الصيني منذ أيام فقط عن إخضاع' اليوان' لمرونة أكبر في سوق العملات الدولية بمعني حدوث إرتفاعات تدريجية للعملة الصينية والتوقف عن تثبيت السعر وهو إجراء يراه نواب الكونجرس الأمريكي يهدف إلي الإلتفاف علي العلاقات التجارية غير العادلة التي تؤدي إلي زيادة ميزان العجز التجاري بين البلدين وقال السيناتور الديمقراطي البارز تشارلز شومر إن الإعلان الصيني هو تراجع عن الوعود السابقة. ويهدد الكونجرس بفرض عقوبات تجارية علي الصين ما لم تتخذ خطوات بعينها علي خلفية تدخل السلطة التشريعية لحماية الطبقة الوسطي المضارة من الأزمة المالية العالمية وتبني الأغلبية الديمقراطية برنامجا طموحا للرئيس أوباما يهدف إلي إعادة الإعتبار لقوة الصناعة الأمريكية في مواجهة الغزو الخارجي المنخفض التكلفة. وكان العجز التجاري الأمريكي أمام الصين قد ارتفع بنسبة5.7% في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من عام2009. ويريد أوباما أن يقدم ورقة إيجابية لمرشحي الحزب الديمقراطي في إنتخابات الكونجرس في نوفمبر المقبل وهي الانتخابات التي يحتمل أن يخسر الديمقراطيون الأغلبية الحالية في مجلسي الشيوخ والنواب علي خلفية فقدان الناخب الأمريكي الثقة في أداء الإدارة الحالية واستمرار تأثير الأزمة المالية العالمية علي الطبقة الوسطي. فالإدارة الأمريكية والكونجرس-أغلبية وأقلية- متحدون في مواجهة ما يسمي بسياسة' الصين تنتج.. أمريكا تستهلك' في إشارة إلي سياسة السماح بالواردات الصينية إلي حد صار عبئا كبيرا علي الصناعة الأمريكية في الداخل. وفي خطاب مفتوح يوم الجمعة الماضي إلي اجتماعات دول العشرين المرتقبة في تورنتو قال الرئيس أوباما- دون أن يذكر الصين بالاسم- أن سعر صرف العملات يجب أن يخضع لقواعد السوق والتعويم الحر لأن ذلك أمر ضروري لحيوية الإقتصاد العالمي. وقد تراجع البيت الأبيض في إبريل الماضي عن إعلان الصينCurrencyManipulator( المنتهك للعملة) وهو ما ضغط الكونجرس لإقراره ثم طلب الرئيس مهلة للحوار علي وعد بإتهام الصين بالإنتهاك لقواعد الصرف الدولية في ضوء نتائج إجتماعات قمة العشرين في تورنتو وهو ما سيترتب عليه إجراءات عقابية غير معروفة المدي حتي الان. وسيتعرض أوباما وحزبه لحرج شديد في حال عدم جدوي الإجراء الصيني وصدور التقرير الجديد لوزارة الخزانة عن انتهاكات سوق العملات في منتصف أكتوبر المقبل- أي قبل انتخابات نوفمبر بأسابيع قليلة. ويشير مارتن جاكس مؤلف كتاب' عندما تحكم الصين العالم' إلي ان حكومة بكين تواجه خيارات صعبة فيما يخص قيمة العملة حيث يسمح ضعف اليوان بتوفير20 مليون فرصة عمل في الداخل سنويا في الوقت الذي لا تبدي فيه السلطات الصينية أية بادرة للتضحية بسياسات داخلية في سبيل تحقيق تسويات خارجية-علي حد وصف الكاتب. وكانت19 من جمعيات التجارة الأمريكية قد رفعت مذكرة إلي أوباما مؤخرا للتحذير من خطورة سياسة' الإبتكار الوطني' التي تفرضها حكومة بكين والتي ربما تؤدي إلي حرمان شركات أمريكية عديدة من السوق الصيني وهو ما يعتبره الأمريكيون إجراءات حمائية مضرة بالعلاقات التجارية. ويستشعر الكونجرس أن قوة النموذجين السياسي والاقتصادي الأمريكي تتراجع في مواجهة قوة الصين الصاعدة ونموذج اقتصاد السوق الذي تسيطر علي مقدراته الدولة وهو الذي يغري دولا عديدة علي السير علي نهجه مدفوعا بتوافر السيولة النقدية في حوزة بكين التي بات بإمكانها منافسة الولاياتالمتحدة اليوم في إلقاء الدروس ودفع الاخرين إلي اتباع نموذجها. كما أن دوائر السياسة والفكر في واشنطن قلقة من تراجع الدور الأمريكي ولا تبدي نشوة كبيرة بارتفاع شعبية الرئيس الأمريكي أوباما في الغرب والشرق ويقول محللون إن النموذج الأمريكي قام علي الترويج لبنيان كامل من القيم والأفكار وليس أشخاصا بعينهم ومن الضروري رد الاعتبار للنظام الذي انتصر في مواجهة الشيوعية السوفيتية ويواجه اليوم تحديا من الماركسية الصينية في صيغتها العصرية التي ركبت قطار العولمة ببراعة عادية. في المقابل تجيد الصين مناورة الأمريكيين كلما زادت حدة النقد بشأن العملة والميزان التجاري وقضايا العلاقات الدولية مثل إيران وكوريا الشمالية, حيث تسرع بكين- في وقت الأزمة وإرتفاع حدة النقد الأمريكي إلي رفع معدلات شراء أذون الخزانة الأمريكية التي تعتمد عليها الموازنة الأمريكية بنسب معقولة حتي توحي للطرف الاخر حرصها علي تقوية دعائم الإقتصاد الأمريكي الذي تعتبر الصين أكبر دائنيه. وفي كل مرة يلقي الإجراء الصيني إرتياحا أمريكيا لكن سرعان ما تدور عجلة الأزمات من جديد. العلاقة المالية والإقتصادية بين أكبر قوتين إقتصاديتين ستكون محورا مهما في مناقشات قمة العشرين ويمكن أن تسهل خطوات التعامل مع الأزمات المالية العالمية المتفاقمة أو تضيف عبئا جديدا وتنذر بحرب تجارية وعقوبات متبادلة- ليس هذا موعدها تماما.