ما إن انتهي الرئيس حسني مبارك من جولته في معرض الاسكان الأول الذي نظمه وزير الاسكان السابق في أوائل التسعينيات حتي سألهم: فين إسكان متوسطي ومحدودي الدخل؟ كان السؤال مفاجأة لجميع الذين سألهم الرئيس وهم مجموعة من رجال الأعمال تبنوا فكر إنشاء المنتجعات وكانت الماكيتات الخاصة بها في المعرض غاية في الروعة والجمال والجاذبية والخيال, وكأننا في بلد آخر غير مصر التي تعج بفقرائها وتصل نسبة الفقراء في أقل تقدير إلي20% من السكان, كنت جوار السيد الرئيس في جولته بين أجنحة هذا المعرض في قاعة مؤتمرات مدينة نصر, وكان سؤاله بعد أن شاهد ماكيتات هذه المنتجعات مباغتا للجميع إلا واحدا فقط هو المهندس محمد حسن دره( رحمه الله) الذي قال له سيادة الرئيس: عملنا حسابنا وهذه هي المساكن التي سوف نطرحها لمتوسطي الدخل, وأشار إلي عمارات إلي جوار المنتجع, أما باقي الكومباوندات فقد كانت فيلات وقصورا ونوافير ومساحات خضراء وجولف, وقد يكون وزير الاسكان السابق بحسه السياسي قد التقط الفكرة وتبلور في ذهنه إنشاء فيلات وقصور ومعها إنشاء وحدات سكنية للفقراء تطل عليها, وربما يكون هذا عملا بالمثل القائل جاور السعيد تسعد, وهكذا نري مساكن الايواء والزلزال وبجوارها فيلات وقصور وكذلك في مدينة الشيخ زايد وفي أكتوبر مساكن الفقراء تطل علي فيلات الأغنياء. ولم يترجم البعد الاجتماعي والتوازن الاجتماعي الذي أشار إليه السيد الرئيس بشكل عملي, وفي تقرير لمركز معلومات مجلس الوزراء في أبريل الماضي عن المدن المصرية تناول نوع مسكن الأسرة, وأشار إلي أن سكان الفيلات يمثلون0.1% من إجمالي المساكن في ربوع مصر, ونحن لسنا ضد الفيلات, ولكن يبدو أن بعض القابعين فيها يحلمون لمصر ومستقبل مصر بأموال فقراء مصر ومدخراتهم الصغيرة, وكأن شعارهم لن يبني مصر إلا فقراء مصر وأموالهم, يحلمون بمشروعات استصلاح أراضي ومطارات وطرق يبنيها القطاع الخاص بتمويل من أموال الشعب بسندات علي مدي يصل إلي نصف قرن ولها عائد ونسوا أن عائد مثل تلك المشروعات إما أن يكون ضعيفا أو يتأتي بعد سنوات طويلة, إنها أفكار قبعة أمريكية علي هيكل اقتصادي بطبيعته ضعيف ومن شأن هذه المشروعات أن تبقي القبعة أو تزداد اتساعا, ويزداد هزال الكيان والهيكل الاقتصادي, وإذا كان القطاع الخاص هو الحل في قضية إنشاء البنية الأساسية فإن علينا مراجعة تجارب الدول التي سبقتنا فإن هذا مشروط ووفقا لدراسة للدكتور حامد مبارك( مارس2010) أشار فيها إلي ضرورة وضوح الرؤي والأهداف من التوجه إلي القطاع الخاص ومنها: - استهداف تخفيض التكلفة للمحافظة علي مستوي الأسعار وتعريفة الخدمات لتكون في قدرة المواطن. - توفير الخدمات وتنفيذ المشروعات التي تضمن احتياجات وقدرات الفقراء ومحدودي الدخل. - تطبيق قواعد وإجراءات المنافسة ومحاصرة الفساد بجميع جوانبه ومسبباته. وفي محاضرته بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية قال إن40% من المشروعات التي دخل القطاع الخاص فيها في أمريكا أعيد التفاوض فيها أو الغيت, وأشار إلي أن هناك العديد من المحاذير والمشاكل التي من بينها اعادة التفاوض مع القطاع الخاص أو التعثر للعديد من المشروعات, كما أن الدور الحكومي يتعاظم لضبط آليات السوق ومتابعة تعريفة وتسعير الخدمات والمتابعة والرقابة وتوفير الشفافية. ولقد كنا نتصور أن تكون هناك دعوة لإنشاء بنك للفقراء يساعدهم علي إنشاء مشروعات صغيرة تضيف للمجتمع لا أن يكونوا عالة عليه, وأن يخفضوا نسبة الفقراء في هذا المجتمع وليس بالوصاية علي المدخرات الصغيرة لتوظيفها في مشروعات للكبار كأنها تقع مرة أخري في فخ جديد لتوظيف الأموال طراز2010. وعودة إلي منتجعات الصحراوي واستصلاح الأراضي فقد اكتشف أصحاب المنتجعات أن عملية الاستصلاح طويلة وتحتاج وفق إعلان بالصحف لأحد المنتجعات إلي مال قارون وصبر أيوب وزمن نوح ولهذا استسهلوا تحويل الأرض من غرض الاستصلاح إلي بناء الفيلات والمنتجعات لتحقق لهم أرباحا بالملايين بعيدة عن دائرة الضرائب في أرض اشتروا الفدان بسعر50 جنيها, وعندما استقرت لهم الأوضاع في المنتجعات انطلقت الدعوة لمشروعات كبري لاستصلاح الأراضي بأموال المصريين تحت حجة ساذجة حتي تنتج الغذاء بدلا من الاستيراد لأن الناس معاها فلوس وبتشتري حاجات كثيرة, ولكن أليست هناك وسائل أخري لزيادة الانتاجية الزراعية للفدان؟ هل المياه متوافرة؟ هل هناك وسائل لتوجيه الفلاح إلي زراعة ما هو أهم بدلا من الأرز الذي يذهب بمياه النيل إلي الخارج من أجل عيون بعض المصدرين وحفنة دولارات؟ علي حساب زراعة القطن وصناعته. إن أرضنا الصحراوية أصبحت مستباحة ووليمة لبعض رجال الأعمال حتي أن إحدي الشركات العربية( دخلت علي الخط) وفي اعلان فج وممجوج قالت إنها تقوم بتنفيذ مشروع علي مساحة26 فدانا تمتلكها قامت بأعمال عليها قيمتها500 مليون جنيه( أي الفدان تكلف19 مليون جنيه) فهل هذا معقول؟ والطريف في الاعلان أن أحد الإجراءات الجادة لتنفيذ المشروع هو ترضية واضعي اليد علي بعض أجزاء من هذه المساحة, ثم تعترف الشركة بأنها مستعدة لسداد فروق الأسعار المستحقة من تغيير النشاط ومادام الأمر كذلك بهذا الاعتراف وضبط منتجعات الصحراوي متلبسة بتغيير نشاطها من استصلاح أراض إلي منتجعات واستنزاف المياه الجوفية, ففي تحرك جاد نحو اعادة هيمنة الدولة كما ذكرت الأهرام قبل أسبوع علي أراضيها بطريق مصر اسكندرية الصحراوي وافق وزير الزراعة علي مشروع متكامل تقدمت به هيئة التنمية الزراعية ينص علي فسخ التعاقد فورا مع المخالفين لاشتراطات التعاقد وفرض غرامة ألف جنيه للمتر علي تغيير النشاط من زراعي إلي بناء وتقدر الغرامات بحوالي85 مليار جنيه علي28 حالة, وهو رقم ضخم يمكن أن يحل ويمول العديد من المشروعات بعيدا عن جيوب الفقراء. ومادام الأمر كذلك فهل الغرامة تشمل كامل الأرض وليس فقط علي أرض المباني وحمامات السباحة؟ وهل يمكن اعتبار ما تم علي الأرض الصحراوية فيها عمليات استصلاح حقيقية إذ أن البعض لجأ إلي نثر بعض النخيل أو شجيرات تفاح أو خوخ عمرها أقل من سنة حتي تعطي مظهر الاستصلاح؟ وهل لدي أصحاب تلك المنتجعات الرغبة الحقيقية في استصلاح الأراضي, أو أن هدفهم هو المنتجعات فحسب؟ ولو كان سعد الدين وهبة بيننا الآن لأضاف فصلا جديدا لكتابه النهب الثالث لمصر. إن الملف ساخن وشائك بين مصالح مجموعة ومصالح وطن بأجمعه وفض الاشتباك يحتاج جرأة وقوة لأنه لا يصح إلا الصحيح. ولن تكون الأرض وليمة لشراهة بعض رجال الأعمال وراجعوا معنا الاسبوع الماضي حيث تقدمت شركة( تحت التأسيس) تحصل علي جزيرة آمون(238 فدان). المزيد من مقالات عصام رفعت