انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الغش التكنولوجي في مؤسساتنا التعليمية بداية من المدرسة حتي مرحلة الدكتوراه في جامعتنا مع التقدم التكنولوجي المشهود. فأصبحنا نسمع عن غش عبر البلاك بيري أو البلوتوث أو الرسائل القصيرة عبر المحمول أو من خلال سماعات دقيقة بالأذن متصلة بالمحمول أو سرقة امتحان المادة من خلال اختراق أجهزة الكمبيوتر, أو سرقة الأبحاث العلمية من علي الإنترنت, هذا بالإضافة الي تسابق الطلاب عبر دورات المياه أثناء إجراء الامتحانات كمحطات لقراءة اجابات الاسئلة من خلال البراشيم المصغرة لمحتوي المادة مستخدمة بذلك التقنيات الحديثة والدقيقة في التصوير تباع لدي مكاتب تصوير الأوراق المعروفة. فظاهرة الغش التكنولوجي هي نوع من أساليب الغش المحترف الحديث بدلا من الغش التقليدي والتي ظهرت في مجتمعنا حديثا لعدة أسباب أولها: ما أورثناه في أجيالنا من الخوف والقلق والذعر من خوض اي امتحان فيما يسميه أساتذة علم النفس بحالة فوبيا الامتحانات بداية من شهادات التعليم الابتدائي. خلفا بشهادة الإعدادية ثم القلق الأكبر لشهادة الثانوية العامة بكل ما تحتويه هذه السنوات من عناء للطالب في تحصيل دروسه وإهلاك لميزانية الأسرة, ونهاية بإلتحاق نسبة كبيرة من هؤلاء الطلاب بالكلية التي لا يرغبونها طبقا لمجموعهم, وليس طبقا لميولهم وقدراتهم نظرا لعدم استيعاب جامعتنا للأعداد الكبيرة من الخريجين, فالامتحان في الدول المتحضرة ما هو إلا وسيلة من ضمن الوسائل المختلفة لتقييم ولتقويم أداء الطالب وبالتالي لا ينتج عنه ذعر او قلق لدي الطلاب مادامت درجات اي من المواد يتم توزيعها بناء علي معايير أخري متعددة بخلاف الاختبارات التحريرية مثل قدرة الطالب علي البحث والإبداع والمشاركة والعمل من خلال فريق العمل, ونشاطه بداخل المدرسة ونشاطه المجتمعي ومدي تعاونه مع زملائه, وثانيها: تعتبر ظاهرة الغش التكنولوجي انعكاسا لما أصحاب المجتمع والأجيال الحالية من انفلات في القيم والمبادئ وانقلاب في المفاهيم من خلال الاهتمام باجتياز الاختبارات بأي وسيلة حتي ولو كانت غير أخلاقية دون النظر إلي فقدان الشخص لاحترامه لذاته, وللأسف الشديد لايمكننا لوم هؤلاء الطلاب وحدهم بقدر ما نلوم انفسنا ومجتمعنا الذي ساهم في تكوين مثل هذه السلوكيات عبر السنوات, فظاهرة الغش بجميع أشكالها ليست وليدة الحاضر, ولكنها انتشرت في قطاعات كثيرة في مجتمعنا مثل أكياس الدم الفاسدة, والأسمدة المسرطنة والرشاوي وما سببه الغش من غرق العبارة وغيرها,.. نتابع بعضها من خلال صفحات الجرائد, فنتعايش مع مراحل التحقيق فيها لفترة ثم تطوي كل الأخبار حول كل هذه القضايا الساخنة كما لو أن شيئا لم يحدث. فالبيئة المحيطة لهؤلاء الطلاب منذ نعومة أظافرهم بيئة لا يربح فيها أصحاب القيم والمبادئ, بل بيئة محفزة علي استخدام أساليب ملتوية للوصول للهدف, فبدأنا نسمع عن مصطلحات جديدة علي كل من يبرع في أساليب الغش أو الاحتيال مثل ده واد سلكاوي أو فهلوي أو فهمان, أو تجد الشباب يتحدثون عن الغش بأنه عادي أو إيه المشكلة؟, وبالإضافة الي كل ما سبق, لقد أرجع التربويون ظاهرة الغش التكنولوجي إلي عدة أسباب أهمها:1 تعقيد وحشر المناهج حيث مازالت مناهجنا بالتعليم قبل الجامعي والجامعي تعتمد علي الحفظ وليس التحليل أو إبداء الرأي في موضوع ما من خلال الفهم المتعمق بالرغم من أن الحفظ يعتبر مستوي سطحيا جدا للتعليم لأن الطالب ينسي ما تعلمه بعد فترة قصيرة من اجتيازه الامتحان. 2 فقدان هيبة المدرس بسبب افتقادنا لمنظومة القيم داخل مؤسساتنا التعليمية وعدم التعامل مع القضايا الأخلاقية بحزم, هذا بالإضافة الي أن الوضع الغالب ان الطالب أصبح لديه السيادة العليا علي استاذه من خلال اعتماد الاستاذ علي الأجر الذي يتلقاه من الطالب من خلال الدروس الخصوصية لضعف أجر الاستاذ. 3 غياب القدوة الحسنة أو النماذج التربوية البنائة في الغاليبة من المعلمين من حيث الأمانة في جميع تعاملاتهم حيث يتعامل الكثيرون من الأساتذة مع نتائج الطلاب طبقا لأهوائهم أو فيما يتماشي مع مصلحتهم وليس لمستوي الطالب الحقيقي. ولذلك تحتم علي مجتمعنا ككل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ليس فقط من خلال القائمين علي إصلاح التعليم, ولكن من خلال خطة قومية للتصدي لثقافة الغش وأسبابها علي جميع المستويات والتخصصات في جميع مؤسساتنا لكي نعيد منظومة القيم لدي مجتمعنا مرة أخري, ولا يقل أهمية التبني لفكرة مكافحة فوبيا الامتحانات واللجوء لأساليب الغش الحديثة بجميع أنواعها في مؤسساتنا التعليمية من خلال إدخال النظم الحديثة في تقييم أداء الطالب مثل نظام التقويم الشامل( الذي مازال تحت الدراسة) مع التركيز علي أساليب البحث والتحليل. والعمل علي عودة هيبة المعلم بداية من حصوله علي الأجر الكافي لمتطلباته الأساسية لكي نضمن له معيشة كريمة باعتباره المسئول عن تشكيل سلوكيات ومستقبل أجيال ونهاية باحترام دور المعلم التربوي داخل المدرسة والجامعة.