بعد أكثر من مائة يوم من الانتظار والمفاوضات والاتصالات والضغوط عقد البرلمان العراقي جلسته الاولي في دورته الثانية يوم الاثنين الماضي والتي جاءت كما هو متوقع بروتوكولية. واقتصرت علي اداء من حضر من الاعضاء الجدد البالغ عددهم325 عضوا باستثناء الاعضاء العاملين ضمن السلطة التنفيذية اليمين الدستورية. اذن انعقد البرلمان العراقي الذي انتخب في السابع من مارس الماضي ومازالت جميع القضايا الخلافية التي تعوق عمله موجودة وعلي رأسها انتخاب رئيس له ونائبين والاتفاق علي رئيس الجمهورية الجديد وتكليف( الكتلة الاكبر) بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة وهي الامور التي كانت ومازالت وستظل خلال الاسابيع القادمة عقدا لابد من حلها للوصول إلي توافق سياسي يضمن وضع العراق علي بداية سلم الاستقرار الحقيقي, مع هذا التطور مازالت الساحة العراقية تعج بالكثير من الاحداث والتطورات اليومية التي يصعب رصدها إلا ان الابرز كان لقاء إياد علاوي رئيس القائمة العراقية مع نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته والاعلان عن اندماج الائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم مع ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي ليشكلا الكتلة الاكبر داخل البرلمان بعد اعلان النتائج بعدد مقاعد يبلغ159 مقعدا, ثم عملية السطو المسلح علي البنك المركزي العراقي وسط العاصمة العراقية بغداد, والامر المؤكد هنا ان لقاء علاوي والمالكي برغم الحفاوة الاعلامية التي قوبل بها إلا أنه لايضيف شيئا إلي الواقع السياسي باستثناء انه استجابة لضغوط معينة لايعد بداية لانفراج الازمة السياسية أو تنازل لعلاوي من المالكي لتولي رئاسة الحكومة بل العكس خاصة ان التصريحات التي أعقبت اللقاء أظهرت ان كل طرف متمسك بما يري انه حقه في تشكيل الحكومة الجديدة ومن يتابع التصريحات التي تلت جلسة البرلمان العراقي يدرك ان اللقاء لم يضف اي جديد سياسيا وانه كان اذابة للجليد الشخصي بين الرجلين, ويقول باسم العوادي المستشار الاعلامي للسيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الاعلي ان الامور بالنسبة لمسألة رئيس الوزراء محسومة بالنسبة للتحالف الوطني ومحصورة فقط بين الدكتور عادل عبدالمهدي ونوري المالكي وان الاسبوعين القادمين سيشهدان حسم هذا الامر وفي حالة عدم الاتفاق علي أي منهما سيتم التوجه إلي بديل ثالث مقبول من جميع أطراف الائتلاف الوطني الجديد ولم ينف العوادي وجود اتصالات مع القائمة العراقية بل قال انها مستمرة لضمان ان الحكومة ستمثل الجميع اما بالنسبة للاكراد فقال ان التفاوض معهم جار ومطالبهم معروفة للخبرة السابقة في التعامل معهم, في مقابل ذلك يقول عضو القائمة العراقية محمد علاوي ان قائمته لاتعترض علي تحالف الوطني ودولة القانون, بقدر تشديدها علي تطبيق الدستور موضحا ان الكتلة الاكبر انتخابيا هي من تشكل الحكومة وفي حال فشلها تعود إلي الكتلة التي تليها, وهذا مبدأ يجب ان نسير وفقه جميع, حسب قوله, ويتابع قائلا: يجب عدم مخالفة الدستور, لان مخالفته لمرة واحدة لمصلحة طرف دون غيره, لاتجعل له ضرورة في المرات اللاحقة. ويطالب أنصار القائمة العراقية بإعادة تطبيق السابقة التي وقعت في عام2006 عندما تم تكليف الائتلاف العراقي الموحد بتشكيل الحكومة فحين فشل مرشح كتلة الائتلاف العراقي الموحد الفائزة آنذاك ابراهيم الجعفري في الحصول علي موافقة الكتل النيابية بعد ان كلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة, عاد الرئيس جلال الطالباني وكلف مرشح تسوية من الكتلة نفسها, وهو نوري المالكي, وبالتالي فإن علي رئيس الجمهورية ان يكلف القائمة العراقية بتشكيل الحكومة باعتبارها الكتلة الفائزة الاكبر في الانتخابات, وبالتالي فحتي لو أخفق المرشح الاول من القائمة العراقية في تشكيل الحكومة فيجب الذهاب إلي مرشح تسوية يكون من كتلة العراقية نفسها, واذا تعذر ذلك فعندها يجب احترام الدستور من خلال تكليف الكتلة الثانية التي تلت القائمة العراقية بتشكيل الحكومة. ويري سياسيون ان رأي المحكمة الاتحادية سيكون ملزما لرئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة الاكبر, مرجحين ان الموضوع سيحسم بالحوار والاتفاق والصفقات السياسية اذ ان الامر يتعلق بصفقة كاملة لاختيار الرئاسات الثلاث ( البرلمان والجمهورية ومجلس الوزراء). فمادامت الجلسة الأولي لمجلس النواب لم يتم فيها اختيار رئيسه ونائبيه, فهذا يعني ان العقدة الاولي ستكون منصب رئيس البرلمان, وليس رئيس الوزراء, ومن المستبعد ان تصوت كتلة ما لرئيس البرلمان قبل أن تتفق وتضمن التصويت لمرشحها لاحد المنصبين, رئاسة الجمهورية والوزراء, علي أي الاحوال فإن الاسابيع القادمة ستكون حافلة حاسمة في تحديد الكثير من الامور علي هذا الصعيد الذي يترقبه العراقيون البسطاء وسط حالة من اليأس لاستمرار سقوط القتلي والجرحي منهم في مجازر وتفجيرات كان آخرها ما شهده البنك المركزي العراقي يوم الاحد الماضي حيث سقط اكثر من20 قتيلا و60 جريحا من الموظفين والابرياء بلا اي ذنب, وكما هو معروف فإن البنك المركزي العراقي يقع في وسط العاصمة العراقية بغداد( شارع رشيد) وفي منطقة تعد شريان حياة بغداد التجارية والاقتصادية وجاءت عملية اقتحامه من قبل قوات ترتدي أي القوات الخاصة العراقية وبسيارات وأسلحة متطورة وحديثة لتطرح الكثير من التساؤلات حول الجهات التي قامت بهذه العملية في وضح النهار, فالاجهزة الامنية قالت في البداية إنهم من القاعدة, ثم ذكرت انها عصابة اجرامية, ودلائل كثيرة تؤكد ان الامر اكبر من قدرة اي عصابة أو تنظيم, ولماذا البنك المركزي وماذا عن عمليات الاختراق والإتلاف المتعمد من قبل المهاجمين لوثائق وأوراق معينة واحراق طوابق باكملها. واذا كانت العملية ذات بعد( ارهابي) فما هو الهدف منها واين بقية المهاجمين هل تبخروا وماذا عمن قتل منهم, علي اي الاحوال فإن الكثيرين هنا يرون ان العملية تشير إلي تورط كبار فيها, وان الحقيقة معروفة ولكن تفاصيلها ستضيع مثلما ضاعت الكثير من الامور في العراق الجديد الذي مازال يعج بالكثير من التطورات والتناقضات والصراعات والفوضي علي الاصعدة كافة, والتي يزيد منها الفراغ والصراع علي السلطة, وفيها وسط هذه الامور احتفلت الاسرة الصحفية العراقية بالذكري الحادية والاربعين بعد المائة ليوم الصحافة العراقية, ذكري صدور أول صحيفة عراقية( الزوراء) في الخامس عشر من يونيو1869 وهي في محنة كبيرة بسبب عمليات الاغتيال والاستهداف للصحفيين العراقيين والعاملين في بغداد حيث فقد اكثر من300 صحفي عراقي حياتهم لان الصحافة في العراق مهنة للموت اضافة للمتاعب الاخري التي يعيشها الجميع وعلي رأسهم الصحفيون في العراق الآن.