بدا لإسرائيل تصرف رجب طيب أردوغان حيال رئيسها شيمون بيريز, في قمة دافوس قبل سنتين, جانحا ومتهورا, ومن ثم لا بد من عقاب, خاصة أن ممارسات المسئول التركي البارز حيال إسرائيل لم تعد تتسم بالود, ولكنها لم تدر أن ما اتخذته من وسائل تأديبية من وجهة نظرها, عاد بالسلب علي صورتها المتدهورة في الأصل لدي جموع البسطاء في الأناضول. يبدو أن تل أبيب لم تنتبه بالقدر الكافي إلي أن وريثة الأمبراطورية العثمانية شأنها شأن المجتمعات الإسلامية الأخري شهدت وعلي نحو ملفت, تنامي نزعات أصولية ذات طابع سياسي راديكالي نهلت من تراث معاد بشكل مفرط للصهيوينة وكل ما يمت لها بصلة, وهكذا صارت تتربص بالسياسات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة واصفة إياها بالعدوانية وفي نفس الوقت باتت تجد صدي لدي صناع القرار خريجي مدارس إمام خطيب الذين سعوا إلي فرملة خطوات أنقرة في هرولتها أحيانا تجاه إسرائيل وهو ما حدث, وسبحان مغير الأحوال فهؤلاء وعندما تاكد صعودهم راحوا إلي السفير الاسرائيلي والأمريكي لطمأنتهما معا وأنهم لن يديروا ظهرهم أبدا لكليهما. في المقابل غاب عن إدراك الاسلاميون الجدد المتمثلين في حزب العدالة والتنمية الحاكم أن أرض الميعاد عاشت وتعيش هي الاخري نزوعا لا يقل تطرفا واصولية بيد أنها وصفت القائمين علي حكم تركيا الكمالية بأشد النعوت قسوة تجاوزت في بعضا منها حدود الادب. من هنا بدأت المسافات تتباعد شيئا فشيئا, وحرب باردة تدور رحاها بين البلدين مشفوعة بتلسينات ومواقف متشنجة من قبل مسئوليهما, ولأن نقاط الضعف لدي الاتراك معروفة لأصدقاء الأمس جاءت إثارة اللوبي الارمني في عواصم العالم متصدرة ا قائمة المنغصات, وراحت إسرائيل تغل في نفوس تكره تركيا بالفطرة وهو ما حدث في فرنسا تحديدا, وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية وقفت متفرجة وهي تري لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس تحمل درة آسيا الصغري إبادة مليون وخمسمائة الف من الارمينيين العزل أبان الحرب العالمية الأولي, وكل هذا يعلمه تماما أي فرد في الشارع التركي الذي اتجه بكل كيانه إلي مساندة الأهل في غزة, وليت الأمر توقف عنذ ذلك بل هناك تلميحات صدرت من أروقة الحكومة الاسرائيلية بضرورة طرح ملف الارمن علي الكنيست الاسرائيلي لكي تحذو إسرائيل حذو البلدان التي أدانت تركيا, ناهيك عن تهديدات يهودية بإرسال قوافل وسفن إلي قبرص الجنوبية في رسالة تأييد للروم القبارصة واحتجاجا علي الإحتلال التركي لشمال الجزيرة المقسمة منذ عام.1974 وبطبيعة الحال صار كل طرف يري أنه المنتصر في قافلة الحرية خصوصا تركيا' العدالة والتنمية' ودليلها علي ذلك حجم الادانة الدولية للعدوان الاسرائيلي, ومظاهرات التأييد في البلدان العربية والإسلامية, والاعلام التركي المدعوم من الحكومة خرج بتحليلات تحت منحي مغالي في تقييمها فمثلا قالت أن تركيا حصدت مكاسب لا حدود لها فمبادرة انقرة لكسر الحصار المفروض علي غزة هزت عروش الانظمة في دول منطقة الشرق الاوسط, وولدت نتائج جديدة ستغير من الاوضاع الاقليمية والفضل يعود إلي السياسة الجسورة للحكومة. ومضت قائلة إنه لم يعد خافيا تعاظم الدور التركي في الاوساط الشعبية العربية الذي كشف عجز الحكام العرب في القيام بواجباتهم حيال الشعب الفلسطيني في الاراضي العربية المحتلة, مشيرة إلي المكانة التي بات يحتلها اردوغان في الذهن العربي باعتباره' جمال عبد الناصر' آخر جديد, بسبب اعتراضه علي فرض عقوبات مشددة علي ايران, وكسر الحصار المفروض علي غزة, والتأكيد علي الانسحاب الامريكي من العراق, الغريب أن تلك الكتابات راحت تسدي نصيحة وتحذيرا في نفس الوقت للقادة العرب مؤداها أنهم اي القادة لا يمكن الاستمرار علي نفس السياسة التي لا ترضي عنها شعوبهم. الكتاب في أدبياتهم السيارة لم يكتفوا بتلك المكاسب العظيمة بل راحوا يؤكدون أنه لا يمكن ان تعود العلاقات التركية الاسرائيلية الي مجراها السابق وهو ترديد لمقولة رئيس الجمهورية عبد الله جول, ولا يمكن لأنقرة ان تغض النظر أو ان تتراجع عن موقفها الكبير الحالي وهو كسر الحصار الظالم علي الاشقاء في غزة, حتي ولو تغيرت الحكومة الاسرائيلية الحالية فلا تهادن أو مهادنة, ومنذ الآن لا يحق لإسرائيل ان تري تركيا دولة حليفة أو صديقة لها. لكن السؤال هل صارت إسرائيل عدوا للاناضول ؟ لا نجد إجابة واضحة أو صريحة منهم!! أما عن الخسائر, فقد حاولت الميديا المرئية التي تشرف عليها الحكومة التقليل منها لأنها ببساطة معروفة مسبقا فاللوبي اليهودي سيثير مقولة ان تركيا ابتعدت عن الغرب واتجهت الي ايران وحماس, وحتما ستلعب اسرائيل بورقة منظمة حزب العمال الكردستاني وبالتالي ستزداد العمليات الارهابية بهدف اضعاف الاقتصاد التركي وابعاد المستثمرين الاجانب من الاسواق التركية.كذلك سيكتب الموالون لإسرائيل في الصحف العالمية الكبري مقالات وتقارير تنتقد اردوغان الذي صار في نفس المثلث الذي يضم بشار الاسد وحسن نصر الله واحمدي نجاد. وهنا سؤال آخر: هل ما يكتب الآن في عدد من الصحف التركية المؤثرة وتحديدا خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من قبل أقلام معارضة للعدالة والتنمية, يمكن اعتبار اصحابها من الموالين لإسرائيل ؟؟