لكل قاعدة استثناء ومهما زاد عدد الاستثناءات فلكل تربة زراعية تركيبة خاصة تستمد طبيعتها من بيئتها المحيطة وعندما تلقي ببذرة فيها تنبت الشجرة وتكبر. ولكن حاملة ومتأثرة بكل سمات وظروف التربة والبيئة. وهكذا الانسان كما قالت قواميس الحياة. نشأنا في زمن كانت الاذاعة وانضم اليها التليفزيون الابيض والاسود علي استحياء بقناتيه الارضيتين هما طاقة الاشعاع. وفي زمنهم تفجرت براكين المعلومات والمعرفة والفكر والرأي والخبرة من اقصي اليمين المتطرف الي اقصي الشمال المتطرف مارا علي الوسطية, ممثلا في الفضائيات والانترنت في زماننا كانت اصدارات الصحف محدودة جدا وفي زمنهم فيض الاصدارات بلا حدود معبرا عن كل التيارات والوان طيف الحقيقة. ايامنا كانت المدرسة مكان جذب وحضانة للتربية والتعليم وفي ايامهم اصبحت مكان طرد. ايامنا كانت الجامعة مكان الرموز وبلورة الشخصية وتسليحها للانطلاق في المجتمع, وفي ايامهم الجامعة مكان تشتيت الشخصية وتفريغها من اسلحة المواجهة, في زماننا كانت الاسرة حضانة الدفء ومدرسة الحياة ومنبع المبادئ والقيم والثوابت وفي زمنهم اصبح المنزل مكانا للمبيت. في زماننا كانت الرموز كثيرة والنماذج عديدة في السياسة والعلم والفكر والقانون و الاقتصاد والقيادة والوظائف العامة وفي الفنون جميعها وفي زمنهم بخلت الارض بإنبات القمم واكثرت من متسلقي الادوار. في زماننا الهيبة كان لها معني وفي زمنهم لم يعد للهيبة مكان في زماننا كان العمل العام والتطوعي والرضا هو السائد وله مذاق خاص, وفي زمنهم يرون العمل والرضا بمنظارهم الخاص. في زماننا كان الانتماء والالتزام والجد هو السمة وفي زمنهم اصبح الامل هو العيش والبحث عن الذات هو العنوان. في زماننا كان الحلم والطموح هما الدليل, وفي زمنهم الحاضر هو آخر الحدود, في زماننا كان الزمان جميلا والشارع راقيا والصوت خافتا والبيئة نظيفة واللغة نقية والتعاطف والتراحم هما السمة والحوار والسلوك والقيم والاخلاق رائعة, وفي زمنهم لم يعد للجمال مكان. كانت النتيجة اننا نعيش زمن المتناقضات ربما بالنسبة لهم هم سعداء بحياتهم, وبالنسبة لنا فإننا نعيش مرحلة التأمل والتساؤل ومحاولة التفسير علي امل التبرير املا في المساهمة. الفجوة واسعة بيننا وبينهم والمفترض علميا ان مجموعة اجيال الزمن الواحد هي حلقات متصلة متوافقة لسلسلة واحدة لكي تكون نسيجا مجتمعيا متناسقا متجانسا. ويصبح السؤال الصعب: اذا استمر الحال كما هو عليه فما هو مستقبل الاجيال القادمة؟ هل ستصمد مع توجهات العالم الجديد البقاء للاقوي والاصلح, وان الارض والموارد والثروات ليست لمن يمتلكها ولكن لمن يستطيع استثمارها وتوظيفها: هل ستستطيع الأجيال الصمود امام طوفان العولمة بما فيها عولمة الانسان نفسه, فيصبح بلا هوية تتعاصفه المنافسة وبلا حدود دولة تحميه من القانون العالمي او قانون الاقوياء؟ هل سيصمد امام التوسعات الاقليمية ومشاكل المياه, وارتفاع ثمن الاراضي لمحدودية المستفاد منها. هل سيصمد امام تسطيح اللغة واجنبة السلوك وحرب الاديان؟ هل سيصمد امام الطوفان الكاسح المتجدد للعلم والتكنولوجيا. هل سيصمد امام الحقيقة. ان العمل والانتاج والجودة الفائقة وقيمة الوقت هي الفيصل الحتمي للبقاء؟ اسئلة كثيرة تحتاج لاجيال قوية صامدة, العلم سلاحها والاقتصاد القوي وقودها والانتماء الشرس هو دقات قلبها والعمل والانتاج والعطاء هي طريقها الاوحد والايمان بالله والاخلاص له هما مرجعيتها الاولي والاخيرة. التغيير المفاجيء مرعب حتي لو كان ايجابيا لانه بلا اقدام يقف عليها, ان الاهم كيف تعد التربة والبيئة لضبط ايقاع التغيير. انها دعوة للتفكر وليس لتأنيب الضمير.