يبدو أن جهود أجهزة الأمن وغيرها من الأجهزة المعنية, للتصدي لظاهرة الأخذ بالثأر لم تنجح في إيقاف تيار الجرائم المرتبطة بهذه الظاهرة التي مازال أنصار الثأر يرون فيها إعمالا لقوله تعالي: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب, وتناسي هؤلاء ما قرره الفقهاء من أن حق القصاص الشخصي( الثأر) قد انتهي بما قررته التشريعات الحديثة من عقوبات وضعية تقررها المحاكم الجنائية لكل الجرائم بما فيها القتل.. ويؤكد ذلك ما ورد في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي من أنه لا خلاف في أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولوا الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص واقامة الحدود, وهو التوجه الذي فرضته الظروف الاجتماعية السائدة وتشابك العلاقات وتعقدها بين الأفراد, لأنه لو ترك الأمر لكل شخص أن يقتل من يعتقد وحده أنه يستحق القتل لأدي ذلك الي مذابح لا تنتهي وأنهار من الدماء تسفك ظلما, ولأهلك الناس بعضهم بعضا, وهي النتائج التي أصبحت تفرزها ظاهرة الأخذ بالثأر التي كانت احدي حلقات البحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قد عرفتها بأنها: القتل للقتل انتقاما, وهو ما يحدث في جميع جرائم الثأر الحديثة والقديمة. وعلي الرغم من أن أجهزة الأمن تسعي عقب كل حادث ثأري لضبط الجناة, وبعدها تتخذ عددا من الإجراءات الوقائية للحد من جرائم الثأر بصفة عامة, بتوجيه حملات مستمرة لضبط الأسلحة غير المرخصة والمحكوم عليهم والمتهمين الهاربين وفرض الوجود الأمني في المناطق الملتهبة وعقد المصالحات بين رءوس العائلات بحضور الأجهزة الشعبية والتنفيذية ورجال الدين.. برغم ذلك فالملاحظ أن جرائم الثأر تتم من خلال مراوغة أجهزة الأمن وغيرها من الأجهزة المعنية وفقا لخطط يعدها أهل المجني عليه تتضمن اقتناء الأسلحة النارية, ورصد خطوط سير من اتهم بقتل ذويهم, ثم توزع الأدوار بين المشاركين في الجريمة بين مراقب للطريق ومنفذ لجريمة القتل ومن يغطي عملية الانسحاب والهروب, كما بين أن استهداف القتل لم يعد يقتصر علي من قتل وحده ولكنه غدا يمتد الي الكثيرين من ذويه, وأن التراخي في الأخذ بالثأر أصبح سبة في حق من يرفض الأخذ بثأر أبيه أو أخيه. واذا كان كثيرون من أبناء الصعيد مازالوا يصرون علي شرعية القتل للثأر, إلا أن علينا حقنا للدماء ألا نتردد في تأكيد الاجراءات السابق الإشارة إليها واستثمار الإعلام والمؤسسة التعليمية لتعديل الموروثات الثقافية الجامدة بما يتفق وصحيح الدين, والسعي الي الاسراع بإجراءات التقاضي في هذه الجرائم, وتنفيذ العقوبات المقررة علي القاتل لترسيخ الايمان بتوافر العدالة بما يسهم في اخماد بركان الغضب لدي الأسر المعتدي عليها, وقبل ذلك وبعده القضاء علي الأمية ورفع المستوي الثقافي والمادي بالصعيد. فؤاد جاد المدير العام بوزارة الداخلية سابقا