سامي فريد: يصف البطل حاله عند عودته إلي مصر وشعوره بعد ستة عشر عاما من بعده عنها فيقول: عندما وضعت في القالب المصري زاد شعوري بالغربة في مصر. هؤلاء أناس لا أعرفهم. سمحو للمدينة بأن تتحول إلي مزبلة, فقدوا الإحساس بانتمائهم لبلدهم واعتزازهم به ثم يضيف: في الماضي نشأنا علي حب مصر وكنا نتمسك بها, أما الآن.. ثم يمضي في بث حزنه علي حاله وحال البلد, إن الغربة هنا غربة داخلية يحس بها البطل في وطنه, ليست هي غربة مصطفي سعيد في موسم الهجرة إلي الشمال ولا هي غربة عزيز بطل فورستر في الطريق إلي الهند أو الدكتور اسماعيل في قنديل أم هاشم.. انها غربة من نوع جديد يصفها ويشرحها الروائي عبد الرشيد الصادق محمودي في روايته عندما تبكي الخيول من خلال ثلاث لوحات تتنقل بنا بين جنوبفرنسا حيث ريناتا وخطيبها روبرتو والأب جورجيو وزوجته جلوريا, وبين مساحة من الريف المصري نتعرف فيها علي الشيخ صالح وأبنائه هاشم وحامد وزينب زوجته وعزيزة ابنته ثم صلاح بطل هذه اللوحة من الرواية وحكايته مع نعمات بطلتنا التي يدور مصيرها بين الدكتور أيمن المغترب العائد الي بلده وبين ابن قريتها الولد صلاح الذي يتحول الي مجرم وقاتل, ولنعمات حكاية كبيرة وكذلك عزيزة, لكن حكاية ريناتا مع روبرتو تبدو لنا علي البعد حكاية هامشية لاتدخل في صلب موضوعنا وإنما وضعت ربما للمقارنة بين حال الناس هناك في جزء من الغرب وحالهم هنا في هذا الشرق.. إن رواية كاتبنا عبد الرشيد محمودي تزخر بهذا الفيض من العواطف الساخنة الي درجة الاشتعال احيانا وفيها من جرأة الوصف وواقعيته واقتحامه ما يملؤها حياة وصدقا, ولابد للكاتب مادامت في روايته شخصيات مثل نعمات طالبة الماجستير وسعيد الفلاح الذي يستعد لدخول كلية الطب والدكتور أيمن الذي عاش في ألمانيا ست عشرة سنة, لابد ان نسمع فيها كلاما عن موسيقيين وشعراء وكتاب مثل هايدين وباخ وموتسارت وبيتهوفن وسارتر وايريس ميردوك وتوماس هاردي وروايته تس سليلة دوربرفيل... وبين هذا التحليق الثقافي الذي يأتي طبيعيا في سياق الرواية غير مقحم عليها إلي الكتابة بلهجة أهل الريف بكل ما فيها من تدفق وتلقائية تمضي الرواية سابحة في الزمن ذهابا وعودة, متدفقة تدفق الحياة نفسها, تحكي عن ألوان من الاغتراب تختلف من شخص لآخر لكنها تتفق جميعا في المعاناة: لكن هناك فجوة أصبحت تفصلني عن قرية طفولتي, أشعر كأنما انتقلت اليها من كوكب آخر, كلما عدت بذاكرتي الي مدنها وجبالها وغاباتها خيل الي انني هبطت الي القرية من ارتفاع شاهق في الفضاء انها غربة نعمات التي تعود الي الوطن بعد سبع سنوات في الخارج, أما غربة أيمن فتتخذ شكلا آخر وان اتفقت في الألم. يقول: أسير في وسط البلد وأتعجب كيف لم أعد أعرف معالمها, الشوارع هي نفس الشوارع والمباني هي نفس المباني, ولكنها ليست ما عرفت في الماضي, شاخت وتدهورت, ما الذي أصاب البلد؟ حتي الناس لم يعودوا هم نفس الناس! ثم كان لابد ان تدفع عزيزة ثمن اختيارها أو ثمن حلمها بالحرية, وينعيها المؤلف في سطور تقطر دما: أيتها الزهرة البرية, أيها الفرح في صورة فتاة, كان لابد أن تسقطي وأنت في أوج ازدهارك...