علي وقع توتر حاد وتجاذبات سياسية تكاد تقسم البلاد والعباد, إستيقظت تونس قبل أيام قليلة علي أصوات طلقات رصاصات غادرة استهدفت أحد رموز معارضتها البارزين, هو شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الذي قتل بدم بارد خارج مسكنه وهو يهم بركوب سيارته. والحقيقة أن بلعيد كان معارضا غير تقليدي, فهو ليس زعيما سياسيا لحزب قوي, لأن حزب الوطنيين الديمقراطيين لم يفز بعدد كبير من المقاعد في الإنتخابات الأخيرة, إلا أنه شخصية يسارية بارزة تعارض التوجهات الإسلامية للحكومة التونسية التي جاءت إلي السلطة عقب أول انتخابات شهدتها تونس قبل عامين. ومن المفارقات الغريبة أن رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين حذر قبل إغتياله بساعات قليلة من تنامي مستوي العنف السياسي في البلاد خاصة بعد وفاة ناشط سياسي يدعي محمد لطفي بعد تعرضه لإصابات عديدة بأداة حادة, كما اتهم حركة النهضة بدعم عصابات تستهدف المعارضة وإجتماعاتها. المخيف هنا أن تكون حادثة إغتال بلعيد ما هي إلا مقدمة لموجة من الإغتيالات السياسية لتطول المعارضين للنظام, الأمر الذي من شأنه زيادة الأوضاع السياسية المحتقنة أساسا, ومن ثم فإن توقع الأسوأ سيكون أمرا طبيعيا وبالتالي سقوط البلاد في مستنقع العنف. وهو أمر قدره وأستشعره الرئيس التونسي منصف المرزوقي حيث قطع زيارته لفرنسا وألغي زيارته لمصر للمشاركة في قمة التعاون الإسلامي عقب الحادثة, تبعه إعلان رئيس الوزراء عن تشكيل حكومة جديدة من كفاءات وطنية, وذلك في محاولة لتهدئة الشارع. وفور إنتشار الأنباء عن اغتيال بلعيد اتخذ المعارضين سلسلة خطوات تصعيدية, حيث تدفق الآف التونسيين قرب مقر وزارة الداخلية منددين بالحادثة, ومطالبين برحيل النظام, بينما قام آخرون بإضرام النيران في مقار حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي. كما أعلنت بعض احزاب المعارضة تعليق عملها للمشاركة في الجمعية التأسيسية المكلفة بكتابة الدستور, ودعا أعضاؤها للإضراب العام. و بالإضافة لما سبق فقد عم مدينة سوسة حالة عصيان مدني شامل. ومن الطبيعي ألا نفصل بين الحادثة واستمرار الأزمة الإجتماعية وإنعدام الأمن والأجواء السياسية السائدة في البلاد,بعد عامين علي الثورة,وكان بلعيد قد اتهم في آخر مداخلة تيلفزيونية له ليلة إغتياله علي قناة الخاصة حزب النهضة بالتشريع للاغتيال السياسي بعد ارتفاع اعتداءات رابطات حماية الثورة التي تتهم بكونها الذراع العسكري للنهضة. ما يثير مخاوف المراقبين هو تلقي شكري عدة تهديدات بالقتل في مناسبات عدة, حيث يعتبره المتشددون عميلا للغرب ملحدا ينبغي قتله والتخلص منه, وهي دعوة يبدو ان السلطات المعنية لم تأخذها علي محمل الجد. ويبقي أهم ما في الأمر هو أن تطورات الوضع ستظل مرهونة بتحمل أطراف اللعبة السياسية الأساسيين لمسئولياتهم في البحث عن صيغة تخرج تونس من دوامة العنف والإستقطاب الأيديولوجي التي سقطت فيها ثورة الياسمين.