كنت أتمني لو رفع المتظاهرون شعارات تنادي بتحرير وزارة الداخلية وجهاز الشرطة, بدلا من الشعارات التي تتردد منذ قيام ثورة52 يناير, وتنادي بتطهير الداخلية. هناك فرق ضخم في رأيي بين تحرير أي مؤسسة أو هيئة وبين تطهيرها, فالتطهير يعني الاقصاء وادخال العوامل الشخصية والانتقامية في التعامل بهذه الهيئة أو تلك, أما التحرير فإنه يعني تمكين تلك الهيئة من أن تكون هيئة للشعب تقوم بخدمة الوطن بكل أفراده, بعيدا عن أطيافه السياسية أو الطائفية, ولا تنحاز للسلطة في مواجهة الشعب تحت أي مسمي, كما فعل ويفعل الجيش المصري العظيم, وكما فعلت الشرطة ذاتها حينما تصدت للمحتل البريطاني واختلطت دماء ضباط وجنود الشرطة بدماء الشعب المصري في52 يناير عام.2591 ضباط وجنود الشرطة هم جزء أصيل من الشعب المصري.. هم أخوة وأشقاء وأبناء عمومة, ولا يمكن القبول بتحويلهم الي هدف عدائي تحت أي مسمي, كما أن دعاوي التطهير برغم نيتها الحسنة وأغراضها البريئة إلا أنها تزيد من حدة الاحتقان داخل هذا الجهاز الوطني, الذي لا يمكن الاستغناء عنه تحت أي مسمي, ومن يكابر عليه أن يتذكر ما حدث خلال أيام الانفلات الأمني وغياب الشرطة وظهور اللجان الشعبية, وما تحملناه جميعا من عبء السهر في مداخل المنازل حتي عادت الشرطة, ولأنها لم تسترد عافيتها بعد, فإن المطلب الأساسي لجموع المواطنين مازال هو المطالبة بإنهاء حالة الانفلات الأمني وعودة الشرطة الي سابق عهدها فيما يخص الأمن الجنائي والمروري. مشكلة جهاز الشرطة أنه تم تحميله بأعباء ليست من شأنه, وأقحمته الأنظمة السابقة وعلي مدي06 عاما في الشأن السياسي, وأصبح المنافس السياسي عدوا يتم التنكيل به ومطاردته والتجسس عليه بواسطة أمن الدولة, فبدأ الانفصال يحدث رويدا رويدا بين الشرطة والمواطن حتي قام وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بتغيير شعار الشرطة الشهير الشرطة في خدمة الشعب, الي شعار غريب وشاذ يتماشي مع شذوذه الفكري والنفسي الشرطة والشعب في خدمة الوطن, وهو شعار ينم عن استعلاء وغباء, إلا أن هذا الشعار كان يتماشي مع سياسة الأنظمة السابقة في استخدام الشرطة كهراوة وعصا غليظة لإرهاب المواطنين حتي قامت ثورة52 يناير, وكانت بدايتها هو محاولة بعض التيارات السياسية والشباب تعكير صفو حبيب العادلي في يوم عيد الشرطة ثم تحول الأمر الي ثورة هادرة, ونال جهاز الشرطة جزءا كبيرا من الغضب الشعبي, وحتي الآن مازال هناك كراهية متراكمة وموروثة, وبين الحين والآخر, تخرج شعارات تطهير الداخلية وغيرها من المؤسسات الأخري في الدولة. ما حدث مؤخرا, ومنذ احتفالات الذكري الثانية للثورة, ووقوع عشرات الضحايا في السويس وبعدها في بورسعيد, وبعض المناطق الأخري, يجعل من الضروري المطالبة بتحرير جهاز الشرطة علي وجه السرعة ليكون بداية لتحرير باقي الأجهزة والهيئات بالدولة لتصبح أعمدة صلبة للدولة المصرية وحامية لها من السقوط, بعد أن اتضح هشاشة الدولة وضعفها, وتأكد بما لا يدع مجالا للشك, أنه لا توجد مؤسسات أو هيئات في مصر, باستثناء القوات المسلحة والقضاء, برغم أن الأخير يتعرض للعدوان الصارخ والضغوط العنيفة التي لم يشهدها من قبل, وآخرها ما حدث في تعيين النائب العام بالمخالفة للأعراف والقوانين وفرضه علي مجتمع القضاء الرافض له. تحرير الشرطة يتطلب إصدار قانون جديد لهيئة الشرطة, يضمن استقلالية هذا الجهاز تماما بعيدا عن النظام الحاكم, وأن تكون كل الصلاحيات من اختصاص المجلس الأعلي للشرطة علي أن تكون صلاحيات وزير الداخلية محدودة جدا, وفي أضيق نطاق وتتعلق بالسياسات العامة وتطوير الأداء فقط. ليت كل الشباب والقوي السياسية يطالبون بسرعة إصدار قانون جديد للشرطة يحدد مجالات تعامل الشرطة ودورها في حماية المجتمع, وحظر عملها في المجال السياسي, وقصر دورها علي مكافحة الجريمة والإرهاب بكل الصور والأشكال, وأن يتم معرفة وحدود دور الشرطة في حالة وقوع مظاهرات, وقصر نشاطها في تلك الحالة علي حماية المنشآت العامة والخاصة دون أن تتدخل في التظاهرات إلا في حالات محددة يحددها القانون المقترح بكل وضوح وشفافية. لابد من إعادة تأهيل وتدريب الشرطة وامدادها بالوسائل التكنولوجية الحديثة حتي تتمكن من إلقاء القبض علي المخالفين دون وقوع ضحايا, وأن يكون هناك تفرقة بين مكافحة الجرائم وفض المظاهرات. يجب محاسبة كل من أخطأ, لكن في نفس الوقت لابد من فتح صفحة جديدة مع جهاز الشرطة وبداية هذه الصفحة إصدار قانون جديد لتحرير جهاز الشرطة, وضمان عدم تبعيته للنظام السياسي الحاكم الحالي والقادم, فالشرطة جزء عزيز من الشعب, ولابد أن تظل خادمة له وحده, بعيدا عن خدمة السلطان مهما كان اسمه أو شكله أو زمانه. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة