المواطن البسيط الذي يتابع بألم وأسي جريمة تخريب مصر الجارية علي قدم وساق والمذاعة علي الهواء مباشرة, لابد انه يشعر بالحيرة والاستياء من أداء الشباب والمعارضة والسلطة في آن واحد. الشباب الذي فجر الثورة لا يمكن ان يكون هو نفسه الذي يحرق المنشآت ويقطع الطرق والكباري ويشل الاقتصاد ويجعل حياة المواطنين جحيما. المعارضة بدورها لم تر في تلك الجرائم إلا موجة جديدة للثورة هكذا قال بيانها مساء السبت. لم يندد البيان الصادر عن جبهة الإنقاذ بهذه الممارسات. ولم تتبرأ منها بل حملت الرئيس مسئولية العنف المفرط من الامن ضد المتظاهرين. الجبهة التي أسقطت عمدا او سهوا من بيانها وربما من حساباتها ايضا معاناة الوطن وآلام المواطنين بسبب الفوضي التي تهدد أمنهم ومصالحهم وأرزاقهم, تعاملت مع الاحداث باعتبارها فرصة لتحقيق مطالبها السياسية وتسجيل نقطة جديدة ضد الإخوان في حربها الأبدية الأزلية معهم. يخطئ السياسيون إذا تصوروا ان استمرار التظاهر يحرج الإخوان ويظهر حجم الرفض الشعبي لهم. لأن ما يجري الآن ليس تظاهرا ولكنه تخريب متعمد ومنظم للدولة واقتصادها وهيبتها بل ومستقبلها كله. كان المنتظر من الجبهة ان تتجنب تماما إثارة المطالب السياسية وتكتفي بتوجيه نداء عاجل للمتظاهرين لحماية المنشآت العامة والخاصة او التوقف عن التظاهر تجنبا لإراقة المزيد من الدماء. هل يعقل ان تنزف مصر وتظل نخبتها غارقة في مهاترات سياسية عبثية. هل يكون الدم المصري رخيصا الي حد المتاجرة به. ماذا يهم الشعب إذا استقال النائب العام او بقي بينما تحترق كل ممتلكاته. ما أهمية تشكيل حكومة جديدة بينما تنهار الدولة كلها. ألا يخجل الداعون لإحياء دستور71 وهم أول من اعتبره دستورا استبداديا يعطي سلطات شبه إلهية للرئيس؟. ما قالته الجبهة في بيانها ما كان ينبغي ان يصدر عنها. اما الرئيس فإن المشكلة هي فيما لم يقله سواء في كلمته التليفزيونية او بيان مجلس الدفاع الوطني. في المرتين عبر عن مساندته للشرطة وهو امر طيب ومطلوب. ولكن الرئيس كان عليه ان يتوقف أمام ملاحظة جلية وهي ان الشرطة أفرادا ومنشآت كانت الهدف الرئيسي لهجمات الشباب بالقول او الفعل في بورسعيد وغيرها. هذا يعني انه وبعد عامين من الثورة مازالت ازمة الثقة بين المواطنين والشرطة قائمة. بل تتفاقم وتعبر عن نفسها في لحظات التوتر والغضب علي نحو ما نشاهده حاليا. الحقيقة التي يجب ان يعترف بها الرئيس هي انه اذا كان دعم الشرطة واجبا, فان التصدي لأزمة الثقة المزمنة بينها وبين والشعب لم يعد خيارا بل ضرورة لفض الاشتباك المتكرر بين الجانبين. كثيرون طالبوا بتطهير الشرطة من القيادات المتورطة في فساد مالي او سياسي. ومن المتورطين في قتل المتظاهرين حتي لو كانوا قد حصلوا علي البراءة لنقص الأدلة او قل طمسها. وهذا هو الحل الوحيد كما انه احد مطالب الثورة. وهو السبيل الوحيد لإقناع الشعب بأن الجهاز الأمني الحالي يختلف تماما عن سابقه. قد يكون هذا الحديث ثقيلا وصعبا في الوقت الحالي, خاصة ان دماء طاهرة من الجانبين تراق غير انها الحقيقة. وفي لحظات الألم والخطر لا يكون هناك مفر من مواجهة الامر الواقع والمصارحة. لو كان الوضع في الداخلية طبيعيا لما تم ترك الجنود والضباط يواجهون بصدورهم العارية او بقنابل الغاز فقط المجرمين المسلحين المندسين وسط المتظاهرين. هذا يفسر ثورة ضباط الشرطة علي وزيرهم لأنه منع عنهم التسليح. غير ان للرجل عذره فهو مسجون في مخاوف الماضي ولا يستطيع ان يفعل غير هذا. التطهير إذن يظل ضروريا ومفيدا للوزارة نفسها قبل ان يكون ضروريا ومفيدا لمصر كلها. سيادة الرئيس استمر في دعم الشرطة ولكن عليك البدء في المهمة التي تركتها طويلا وهي إعادة هيكلتها وتطهيرها, وسيقف معك الشعب والشرفاء في الداخلية أيضا فلا تتردد وسارع بأداء هذه الفريضة الغائبة. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق