هي الآن مديرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, لكنها تدرجت وتنقلت بين الأبحاث الميدانية في المركز طوال ثلاثين عاما, وعرضت لكثير من قضايا المجتمع المصري خاصة أطفال الشوارع والعشوائيات, وقامت بدراسات توثيقية لظواهر عديدة كالعنف الاجتماعي, والتنشئة السياسية والبناء الاجتماعي السياسي. بدأنا الحوار مع الدكتورة نسرين البغدادي حول أهداف المركز ومدي ارتباطه بالتوجه السياسي, وتطرقنا إلي التدهور في العلاقة بين طبقات المجتمع والملف الاجتماعي لثورة25 يناير والتحول الديمقراطي والعنف السياسي والجرائم المستحدثة والشخصية المصرية بعد ثورة يناير, ودار بيننا هذا الحوار. في فترة الستينيات والسبعينيات كانت هناك منظومة اجتماعية تنظم علاقة طبقات المجتمع بشكل كبير, ما السبب في اختفائها بتقديرك؟ تتغير الخريطة الاجتماعية باختلاف النظام السياسي, وبالتالي تتغير العلاقة بين طبقات المجتمع, ثورة23 يوليو قامت علي تضييق الفجوات ووجود قدر من العدالة الاجتماعية واعتمدت علي التعليم كسبيل وحيد في عملية الحراك الاجتماعي والانتقال من شريحة أدني إلي أخري أعلي واتسعت الطبقة الوسطي, ثم جاء الانفتاح وأحدث ثورة في طبقات المجتمع وأعطي مساحة لبعض الشرائح لإحداث ثراء سريع وانتشرت الفهلوة والرشوة والمحسوبية, وضاعت قيمة العمل وأصبح الانسان يقيم ليس بما لديه من علم وإنما بما لديه من أموال فضاعت قيمة العلم, ثم جاءت فترة النظام السابق, وعملت علي تكريس الوضع الخاص بما ساد بعد الانفتاح الاقتصادي عام1974 وربما بصورة أكثر حدة وأسهم في ذلك الإبقاء علي الأوضاع المجتمعية المتردية وعدم وجود مشروع قومي يلتف حوله المصريون, والعمل علي ثبات الأوضاع وعدم تحريكها للأفضل مما أوجد عدم القدرة علي الإبداع وعاش المجتمع في سباب عميق. ثورة25 يناير قامت علي شعار عيش, حرية, كرامة انسانية, عدالة اجتماعية, وحتي الآن طوال عامين والجميع مشغول بالملف السياسي ولم يفتح بعد الملف الاجتماعي, الذي ربما يحوي بداخله حلولا لمشاكلنا السياسية والاقتصادية, فما المعوقات التي تعطل هذا الملف حتي الآن في نظرك؟ الملف الاجتماعي شائك, وتتشابك فيه البطالة مع العشوائيات والفقر واتساعه ليشمل فئات جديدة وعدم وصول الدعم لمستحقيه الي ازمة الإسكان مع تردي الأوضاع الصحية وتدني الخدمات الأساسية الي جانب تدهور التعليم فكلها جميعا خطوط وخيوط اتلعبكت وأصبح من الصعب فكها وعلينا ان نمسك أولا بطرف الخيط ثم فك العقدة واحدة تلو الأخري لأننا لا نملك عصا سحرية نستطيع معها حل جميع القضايا السابقة. المجتمع المصري عاني الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان, والتحول الديمقراطي يستلزم التحلص من آثار هذه المظالم, فكيف يتحقق هذا؟ لي رأي في مسألة الاستبداد وربما يكون رأيا مغايرا الاستبداد ليس سياسيا فقط أليس الفقر استبدادا والعوز واللجوء إلي مد الأيدي وعدم القدرة علي توفير قوت اليوم أليس ذلك استبدادا كيف يكون فقط الانشغال بالشق السياسي الذي يحيط به العديد من العمليات المعقدة والتي يصعب علي الإنسان البسيط الواقع تحت سيطرة الأمية فهمه هذه الأمور السابقة التي يجب ان ننظر إليها الآن وتعد بمثابة الأولويات التي تنقلنا بلا شك إلي حال آخر وبداية التحول بتحديد أي من النظم السياسية أكثر ملاءمة لنا الرئاسي أو البرلماني أم المختلط. ظاهرة العنف في الشارع والبلطجة ما حجم هذه الظواهر وأسبابها وكيف نعيد الاستقرار للشارع المصري؟ نشعر بزيادة وظهور بعض الظواهر التي لم تكن موجودة من قبل في المجتمع المصري كزيادة ظاهرة العنف اللفظي والقهر المعنوي وعدم قبول الآخر والاستماع له وعدم القدرة علي التسامح والوقوف دائما امام بعضنا البعض في حالة من التربص والاعتقاد بأن كل طرف يمتلك مفاتيح الحقيقة وحده وهذه الظواهر تقلقني علي الأجيال المقبلة فما شكل التنشئة الاجتماعية التي سوف يشبون عليها وما القيم التي نعمل عليها جميعا في تربية هذا الجيل الذي أدعو الله ألا يكون ضائعا. هل نحن نريد جيلا قادرا علي تحمل المسئولية ويتسلح بالعلم وقادرا علي تأهيل الأجيال الأخري وتزويدهم بالخبرات الحياتية وعلي التفاهم مع العالم من حوله أم نريد جيلا منغلقا لا يستطيع الخروج من دائرته المغلقة وتعطيل نصف المجتمع وتنشئته دائما وابدا علي الأمية والجهل علينا ان نختار أي من ا لطريقين نريد لأننا إذا كنا نرسي قواعد الحاضر علينا ان نري المستقبل بأعين منفتحة علي العالم من حولنا علينا ان نبدأ بألا نثأر من الوطن والابتعاد عن التعصب وإزالة الغضب من داخلنا والتصالح مع النفس والتسامح مع الآخرين. ما أسباب ظهور العنف السياسي وكيف نواجهه؟ ظاهرة العنف السياسي موجودة من السبعينيات ربما تجلت في ظاهرة الارهاب وتقلصت في فترة التسعينيات إلا انها ظهرت مع بعض المتشددين المتمسكين بآرائهم وفي سبيل الدفاع عن تلك الآراء ونتيجة للشعور بالعزلة الاجتماعية لم يجدوا بديلا إلا العنف للسيطرة والهيمنة وفي ذلك استخدموا جميع الاسلحة المشروعة وغير المشروعة ولمواجهة ذلك لابد ان يكون هناك الرغبة والقدرة علي المصالحة وان يكون مستقرا لدينا أننا نعيش في وطن يستحق ان نبذل من أجله جميعا الجهد المتواصل حتي نصل به إلي بر الأمان وعلي من يملكون المعرفة ان ينقلوها دون تأويل أو تحريف ولخدمة المصلحة العامة هذه الدعوة لنا جميعا. ما الجريمة المستحدثة بعد ثورة25 يناير, وكيفية مواجهتها؟ السطو المسلح وانتشار الأسلحة واستخدامها مع عدم وجود الرادع لدي من يرتكبون هذه الجرائم, تطالعنا الأخبار يوميا بتلك الجرائم وكأنها أصبحت أسلوبا في الحياة, نستطيع أن نواجه هذه الجريمة باستعادة هيبة الدولة والسيطرة علي منافذ بيع السلاح, فلن يكون هناك تقدم للمجتمع دون الشعور بالأمن, وأية تنمية تقوم علي الأمان والقدرة علي استيعاب الآخر والحفاظ علي مقدرات الوطن. ظاهرة أطفال الشوارع وصلت لأقصي مدي لها في العهد السابق, ومازالت تتفاقم, فهل هناك حلول؟ علي الرغم من الإعلان سابقا علي أن هذا العقد هو عقد الطفولة إلا أنه لم يتم الالتفات لأطفال الشوارع, وهذه المسألة مضحكة ومبكية في ذات الوقت, فأطفال الشوارع يزدادون نتيجة انهيار مؤسسات الايواء وانهيار التعليم والتسرب من المؤسسات التعليمية وازدياد الفقر لأسرهم الذين أصبحوا يطلقونهم في الشوارع باعتبارهم أحد مصادر الرزق للأسرة, فإذا أردنا حلا لابد من تجفيف المنابع الموردة لأطفال الشوارع, وفي نفس الوقت علينا أن نتسلح ببعض التجارب البحثية التي أجريت في هذا الصدد ونحاول الاستفادة منها وننتقي منها ما يعد نافعا لتعميمه علي المتشابه من تلك الحالات, كما علينا أن نجدد في أساليب البحث لهؤلاء الأطفال وأن ننحي الأفكار القديمة جانبا كضرورة تعليم هؤلاء الأطفال ودخولهم المدارس, ولكن من الممكن استيعابهم كحالات فردية لها خصوصية وتوظيف الجوانب الايجابية لكل حالة مثلا من الممكن أن يوظفوا في مجال ميكانيكا السيارات وأن يكونوا بلية لأي من الأعمال الفنية. هل هناك أزمة في النخبة السياسية, أدت لانقسام داخل المجتمع؟ أفراد النخبة دخلوا في دائرة مفرغه وعجزوا عن الفكاك منها, وقضايا خلافية تثار بين أفراد المجتمع وهي لا تسمن ولا تغني من جوع, لم تتوحد النخبة السياسية ولديها خطايا متعددة ولم تقدم برنامجا بديلا نستطيع من خلاله أن نري بوضوح أن هناك أملا في الاصلاح, فدائما هي رد فعل, فعلي النخبة السياسية أن تعلي المصلحة العامة للوطن وليجعلوا قبلتهم مصر أولا وأخيرا. ماذا عن الشخصية المصرية بعد25 يناير؟ أتعجب من ظهور هذا العنف المخزون لدي الشخصية المصرية سواء أكان العنف الممارس في اطار اللفظ أو في اطار الفعل, ومن الانهيار الأخلاقي الذي شمل العديد من الفئات, ومن التأويل والقدرة علي قلب الحقائق, والقدرة علي تجاهل الآخر في الوقت الذي أنشد فيه الكرامة الإنسانية, ومن هذا العنف الذي يمارس نحو مقدرات الدولة في الوقت الذي أنشد فيه العدالة الاجتماعية, وأتعجب أيضا من هذا الكم الذي يزداد يوما بعد يوم في اطار الحصول علي مكاسب تؤدي الي انهيار الاقتصاد, ولكن لابد من الوقوف والتمهل قليلا لنعرف الي أين نحن ذاهبون, وأن تكون البداية من الذات وأن نؤمن جميعا بأهمية التغيير من أنفسنا جميعا نخبة وشعبا, نراجع مواقفنا ونمارس النقد الذاتي مع أنفسنا ونعترف بأخطأنا, وأن يلتزم كل منا بميثاق شرف بأن يعمل ويبذل من الجهد في مجاله, وأعتقد أن ما طرأ علي الشخصية المصرية هو أمر استثنائي نتيجة الظرف المجتمعي وأيضا نتيجة للضغوط التي تعرض لها المواطن المصري من النظام السابق.