أودعت التعديلات علي قانوني رقم(38) لسنة1972 م بشأن مجلس الشعب والقانون رقم(73) بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية في يد المحكمة الدستورية العليا من أجل الرقابة السابقة علي تعديلات القانونين. وإلي حين صدور رأي المحكمة يسيطر الاستقطاب والغضب السياسي, ليس فقط علي الأحزاب والقوي التي لم تشارك في الحوار الوطني, ولكن أيضا الأحزاب والقوي والهيئات التي تشارك في الحوار, نظرا لأن تعديلات القانونين في بعض المواد- جاءت خلافا لما جري الاتفاق عليه. هناك انتقادات عديدة توجه للتعديلات التي أدخلت علي القانونين, ولكن ربما أكثرها بروزا هو ما يتعلق بوضع المرأة علي القوائم الانتخابية, وحق النائب في تعديل الصفة الحزبية أو كونه مستقلا بعد انتخابه. وللتذكرة فقد ذهبت مسودة القانون إلي مجلس الشوري, الذي وافق عليها من حيث المبدأ, ثم أحالها إلي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية. وأصبحت مسودة القانون التي خرجت من الحوار الوطني هي مشروع القانون المقدم من الحكومة, ودار حلها نقاش استمر لعدة جلسات. وبالنسبة لوضع المرأة خرجت المسودة من اللجنة بتعديل جوهري يخالف ما اتفق عليه في الحوار الوطني بشأن الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القانون حيث عدلت اللجنة عن وضع المرأة في النصف الأول من القائمة, وأبقت علي ما هو متضمن في القانون الذي أجريت في ظله انتخابات مجلس الشعب الماضية من أن تتضمن كل قائمة مرشحة واحدة علي الأقل من النساء دون تقيد بوضعها في موقع متقدم في القائمة الانتخابية. ومن المعروف أن الانتخابات الماضية شهدت تهميشا للمرأة من جراء وضع المرشحات في ذيل القوائم الانتخابية, ولم تنجح إمرأة علي مقعد فردي. عقب حدوث التعديل تعالت استفسارات المشاركين في الحوار الوطني عن الأسباب خاصة أن وضع المرأة في مكان متقدم من القائمة الانتخابية يمثل أهم انجاز خرجت به مسودة القانون من الحوار الوطني. لم يكن الرهان علي حزب النور, لموقفه الرافض لهذا الاتجاه, ولكن الرهان كان علي حزب الحرية والعدالة والأحزاب الأخري المدنية مما يشكل أغلبية مريحة لتمرير النص في الجلسة العامة لمجلس الشوري. وبالفعل جاءت رسائل من حزب الحرية والعدالة تفيد بأنه سوف يدعم مسودة القانون المقدمة في صورتها الأولي أي وضع المرأة في النصف الأول من القائمة الانتخابية, وهو ما حدث بالفعل, وصوتت غالبية أعضاء حزب الحرية والعدالة وكذلك الأحزاب المدنية, والمستقلون إلي جانب الاقتراح الذي لم يصادف سوي رفض حزب النور. وذكر رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة الدكتور عصام العريان إلتزام الحزب بالحوار الوطني, ومساندته لأن تكون المرأة في النصف الأول من القوائم. اللافت أنه قبل إقرار القانون في صورته النهائية أعيد فتح باب المناقشة, وطرحت المادة مرة أخري للتصويت, ولكن في هذه المرة تبدلت الأحوال, وصوتت الأغلبية لتعديل المادة بأن تكون هناك مرشحة من النساء علي الأقل في أي موقع من القائمة, وهو النص الذي صوتت ضده قبل ذلك بيومين استنادا إلي الالتزام بالحوار الوطني. أما بالنسبة لحق النائب في تغيير صفته الحزبية أو كونه مستقلا بعد انتخابه وهي المادة الثالثة الفقرة الأولي من القانون التي تنص علي أنه تسقط العضوية إذا غير عضو مجلس النواب الصفة التي ترشح بها أو انتماءه الحزبي أو كونه مستقلا. هذه الفقرة تحديدا- جاءت في مسودة القانون التي خرجت من الحوار الوطني, وشملها مشروع القانون المقدم من الحكومة, ولم تعترض عليها أو تغيرها لجنة الشئون الدستورية والتشريعية, وبرغم ذلك سعي حزب الحرية والعدالة إلي تعديلها في الجلسة العامة لمجلس الشوري, وجري التصويت عليها مرتين وقف فيها حزب النور والأحزاب المدنية موقف الموافقة علي بقاء النص علي ما هو عليه, في حين رفضه حزب الحرية والعدالة وبعض الأعضاء الآخرين, وجاءت نتيجة التصويت لصالح تغيير النص بأن يحق لعضو مجلس النواب أن يغير الصفة التي ترشح بها أو انتماءه الحزبي أو كونه مستقلا دون أن تسقط عضويته. الخشية من ذلك واضحة هي نشوء حزب وطني جديد من جراء انضمام المستقلين ونواب الأحزاب الصغيرة إلي حزب الحرية والعدالة حال فوزه بأكثرية المقاعد مما يمكنه من تكوين أغلبية يشكل بها الحكومة. ليس هذا فحسب, بل إن تغيير النائب صفته الحزبية التي انتخب عليها أو كونه مستقلا يمثل خرقا لثقة الناخبين الذين منحوه أصواتهم لكونه يحمل صفة حزبية معينة دون غيرها. يقدم وضع المرأة وحق النائب في تغيير صفته الحزبية بعد انتخابه مثالا واضحا علي الخروج علي ما جري الاتفاق عليه في الحوار الوطني, وأضاف قانون الانتخاب بسبب ذلك- وقودا جديدا إلي حالة الاستقطاب السياسي, ووضع الحوار الوطني ذاته في مأزق, عبرت من خلاله القوي السياسية والأحزاب والهيئات المشاركة فيه عن غضبها, وبعضها اتجه إلي تعليق المشاركة في جلسات الحوار الوطني الذي يجري في الاتحادية تحت رعاية رئيس الجمهورية. الإشكالية أن قانون الانتخاب كان يمكن أن يمثل فرصة حقيقية لإعادة الحوار المكثف بين القوي السياسية مما يسهم في التخفيف من حدة الاحتقان السياسي, لكنه للأسف- أضاف مزيدا من الاستقطاب والشرذمة طال القوي والأحزاب المشاركة في الحوار الوطني, وفتح الباب أمام التشكيك في مصداقية الحوار, وأهدافه, ومراميه, خاصة في ضوء عدم التزام بعض الأحزاب السياسية الرئيسية بكل نتائجه. وإذا كان الحوار الوطني نشأ من أجل النظر في مطالب تتعلق بالتعديلات الدستورية, فإن ذلك يعد أمرا صعبا, بل شديد الصعوبة, إن لم يوجد إلتزام سياسي حاسم بمخرجات الحوار, وموافقة القوي السياسية جميعا علي التعديلات الدستورية في مجلسي النواب والشوري. الالتزام السياسي وحده- هو الذي يعطي معني وفعالية لأي حوار بين فرقاء سياسيين, ويشكل وسيلة لإعادة بناء الثقة, وإحداث المصالحة الوطنية, ومد جسور التعاون بين القوي السياسية لبناء المؤسسات الديمقراطية. هذا هو الدرس الذي يحمله ما حدث في قانون الانتخاب, والفرصة لا تزال قائمة لإصلاح المسار وتجديد الالتزام. المزيد من مقالات د. سامح فوزى