إذا كانت الصناعة المصرية تمثل محركا أساسيا للاقتصاد القومي.. فإن قائمة المهام المطلوبة منها عديدة من أهمها زيادة الصادرات وتوفير احتياجات الأسواق المحلية من السلع واتاحة فرص عمل جديدة. وبرغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها الصناعة للعمل علي تحقيق هذه الاهداف. فإن تحقيق ذلك يتطلب الوصول إلي إجابات محددة للتعامل مع المشاكل والصعوبات التي واجهت الصناعة خلال الفترات الماضية.. ومن بينها نتائج عدم الاستقرار السياسي, والاضرابات والاعتصامات, وأخيرا ارتفاع سعر صرف الدولار. وكلها تمثل هموما يجب التعامل معها بكفاءة وحسم لتوفير المناخ اللازم لعلاج مشاكل الصناعة لاستعراض التفاصيل حول مستقبل الصناعة المصرية كان هذا الحوار مع المهندس حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية, ليحدد خريطة عمل الصناعة المصرية خلال الفترة المقبلة. ما موقف الصادرات الصناعية خلال الفترة المقبلة.. وهل من المتوقع زيادتها رغم الصعوبات الاقتصادية الحالية ؟ شهدت الصادرات السلعية المصرية تغييرات كبيرة خلال الفترة الماضية فحتي الثمانية أشهر الأولي من العام الماضي(2012) كانت الصادرات منخفضة مقارنة بالفترة المماثلة من العام الأسبق(2011), ولكن خلال الأربعة الأشهر الأولي والتي تزامنت مع تولي الحكومة الحالية مهام المسئولية تغير الوضع تماما, حتي أنه خلال الأربعة أشهر الأخيرة من العام الماضي تحقق معدل نمو للصادرات وصل إلي حوالي ثمانية عشر في المائة مما عوض نقص الصادرات في الفترة المماثلة السابقة وتحولت النتيجة الإجمالية للعام الماضي إلي تحقيق إجمالي صادرات وصل إلي مائة وأثنين وثلاثين مليار جنيه بنسبة نمو نحو واحد في المائة مقارنة بالعام الأسبق. وتوضح المؤشرات الاقتصادية أن العام الجديد الذي بدأ هذا الشهر سوف يحقق نتيجة غير مسبوقة في مجال الصادرات ستصل إلي نحو مائة وخمس وأربعين مليار جنيه بنسبة نمو تصل إلي عشرة في المائة. ويرجع ذلك إلي عدة أسباب من أهمها ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه, حيث إنه بالرغم من وجود سلبيات اقتصادية لتداعيات هذا التغير في سعر العملة الأمريكية.. إلا أن له أيضا نتائج إيجابية علي بعض القطاعات الاقتصادية خاصة السياحة والصادرات.. فإذا وضعنا في الاعتبار مثلا أن سعر الدولار قد ارتفع بنسبة عشرة في المائة تقريبا أمام الجنيه المصري فإن ذلك سيؤدي إلي خفض تكلفة الصادرات إلي الخارج, وبالتالي يؤدي إلي زيادة القدرة التنافسية لهذه الصادرات في أسواق العالم الخارجية ومن ثم زيادتها. ومن ضمن العوامل التي ستسهم أيضا في نمو الصادرات.. هو فتح باب تصدير الأرز الذي سيسهم في تحقيق عوائد كبيرة نتيجة الكميات التي ستصدر منه للخارج. بالإضافة إلي نجاح الجهود مع تركيا لفتح باب استيراد الغزول المصرية بلاقيود وإلغاء الحصة في هذا المجال. ومن المتوقع أيضا تحقيق استقرار سياسي خاصة بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة. كما أنه من العوامل الإيجابية في هذا المجال هو تراجع حجم الإضرابات والاعتصامات في المصانع المصرية حيث انخفض معدلها من عشرين في المائة في بداية عام2012 لتصبح أقل من أثنين في المائة فقط في الوقت الحالي.. وذلك نتيجة الجهود الكبيرة التي قامت بها وزارة الصناعة بالتعاون مع وزارة القوي العاملة وزيادة وعي أصحاب العمل والعمال بضرورة التعاون وتحقيق التوافق بينهم لاستمرار العمل وعدم تعطله وهو الأمر الضروري لجميع الأطراف.. مما يسهم في تشجيع زيادة العمل والإنتاج بالصناعة وبالتالي فيمكن نتيجة ذلك أن نقول إن الصناعة المصرية تجاوزت مرحلة الأزمة الحادة.. ولكن ذلك لايعني في نفس الوقت أن الصعوبات انتهت تماما وأن الأمور أصبحت سهلة وميسرة.. فعام2013 يمكن اعتباره عاما لمواجهة التحديات امام الصناعة ومن أهمها توفير الطاقة للمصانع, وعلاج مشاكل المصانع المتعثرة وتوفير الاراضي الصناعية للمشروعات الجديدة وهو ما تم اعداد خطط شاملة لمواجهة هذه المشاكل وبدأ تنفيذها بالفعل.. موضحا أنه عقب اجتياز هذه الصعوبات فإن العام التالي وهو2014 سيكون بداية الانطلاق الاقتصادي لتصبح مصر علي اعتاب دول اقتصادية متقدمة و يبدأ المواطن المصري في جني الثمار الاقتصادية لثورة يناير. هل يؤدي ارتفاع اسعار صرف الدولار أمام الجنيه إلي أثار سلبية كبيرة علي الواردات بصفة خاصة والاقتصاد المصري بصفة عامة وكيف سيتم التعامل مع ذلك؟ ارتفاع سعر صرف الدولار لايمثل بالنسبة لي مصدر قلق كبير.. فإذا كان يلقي عبئا إضافيا علي السلع المستوردة من خلال التسبب في تكلفة زائدة لهاولكنه يعطي في نفس الوقت ميزة تنافسية كبيرة للسلع المصدرة إلي الخارج. كما يسهم في نفس الوقت في علاج الخلل في الاقتصاد. فبصفة عامة فإن العملة من الأدوات التي تعمل علي تحقيق توازن في حركة التجارة الخارجية حيث تشكل حافز طبيعي للصادرات ومانع طبيعي للواردات. وهناك دول أخري ومنها تركيا علي سبيل المثال مرت من سنوات بظروف مشابهة إلي حد ما ونجحت في تجاوز المشاكل وتحقيق الإنطلاق الإقتصادي. حيث يعتبر سعر الصرف أحد الأدوات الاقتصادية لعلاج الخلل والموزانة وكل من ميزان المدفوعات والميزان التجاري, ولكنه سيؤدي أيضا إلي ارتفاع التكلفة في السوق المصرية فإذا أضفنا إلي ذلك تداعيات عدم الاستقرار السياسي فإن ذلك سيكون له أيضا ثمن اقتصادي سيتحمله المجتمع. وهو الأمر الذي سيؤثر علي جميع الأطراف, ولكن الحكومة تتعامل في هذا المجال بوضوح وشفافية وتعمل علي المواجهة الجادة لإتخاذ الإجرءات التصحيحية اللازمة, لإعادة هكيلة الدعم بصورة جذرية تحقق العدالة, وتعمل علي التصدي لمشكلة تجنبت الحكومات السابقة طوال خمسين عاما الماضية. وفي نفس الوقت فإنني اؤكد أن التركيز في الفترة الحالية علي هيكلة الدعم أو إعادة توزيعه يتم من خلال التركيز علي أن لايؤدي ذلك إلي التأثير سلبا علي المواطنين محدودي الدخل وذلك بأكبر قدر ممكن في هذا المجال. ولكن لايمكن لأحد في نفس الوقت أن يؤكد أن إجراءات اعادة توزيع الدعم لن يتأثر بها محدودي الدخل علي الإطلاق ولكن سنحاول أن نقلل هذا التأثير إلي أقل درجة ممكنة في مقابل العمل علي تحميل قدر أكبر من تكلفة ذلك لشريحة المواطنين الأعلي دخلا. هل هناك اتجاه لحظر أو لتقييد استيراد بعض السلع من الخارج خاصة المعروفة باسم السلع الكمالية كالكافيار والسيمون فيميه والسيجاروذلك للحد من استخدام العملات الأجنبية في الاستيراد لهذه النوعية من السلع ؟ بالنسبة للسلع الكمالية فيجب التعامل مع هذا الموضوع بكل أبعاده.. فبداية إن حجم استيرادها لا يمثل أكثر من واحد في المائة من إجمالي قيمة الورادات أي أنه محدود جدا. وفي نفس الوقت يجب أن نضع في اعتبارنا أن مصر تلتزم بنظم التجارة العالمية حيث وقعت علي الاتفاقيات الدولية في هذا المجال ومنها اتفاقية التجارة العالمية. وبالتالي فإن إي قرار يتم اتخاذه في مجال السلع المستوردة يجب أن يكون في هذا الإطار.. أي أنه لايمكن أن نفرض حظرا علي استيراد هذه السلع الكمالية التزاما بالاتفاقيات الدولية التي وقعنا عليها وحتي نتجنب أيضا أن نعرض صادراتنا والتي نستهدف أن تصل إلي مائة وخمسة وأربعين مليار جنيه هذا العام.. إلي عقوبات تجارية دولية من بعض الدول في حالة إذا ما فرضنا قيودا علي اي واردات منها حتي لو كانت لإحدي أو بعض هذه السلع الكمالية. ولكن ذلك لايعني أننا سنقف بدون تحرك في هذا المجال. فالاتفاقيات الدولية تعطي مصر الحق في مراجعة الجمارك علي الواردات بحيث يمكن زيادة هذه الجمارك طالما لم تصل إلي الحد الأقصي للجمارك المحدد لكل سلعة طبقا لنظم التجارة الدولية, وهو أمر يتم دراسته في الوقت الحالي من خلال بحث زيادة التعريفة الجمركية علي بعض الوارادت لتصل إلي الحد الأقصي للجمارك طبقا لاتفاقيات التجارة العالمية بما يتيح تحقيق حماية عادلة ومشروعة للمنتجات المصرية المثيلة في هذا المجال. جذب الاستثمارات المصرية والخارجية للعمل في الصناعة المصرية من أهم الأهداف التي تسعي الدولة لتحقيقها خلال الفترة المقبلة فهل يمكن تحديد اهم النتائج التي تم تحقيقها مؤخرا في هذا المجال ؟ خلال الستة أشهر الماضية أي من يوليو إلي ديسمبر الماضيين دخل مرحلة الإنتاج الفعلي451 مشروعا صناعيا جديد تصل تكاليفهم الإستثمارية إلي أربعة عشر مليار وخمسمائة وست وسبعين مليون جنيه, وقيمة إنتاجهم السنوي ثمانية مليارات وخمسمائة وواحد وتسعين مليون جنيه. وقد اتاحت هذه المشروعات بالفعل أربعة عشر الفا وأربعة وثلاثين فرصة عمل جديدة تتجاوز أجورهم السنوية مائتين وخمس وعشرين مليون جنيه.. وتأتي الصناعات الغذائية في قائمة أكثر هذه المشروعات من حيث العدد يليها الصناعات الهندسية, ثم الكيماويات الأساسية, والغزل النسيج والملابس, ثم مواد البناء. وهذا يوضح بالفعل ان النشاط الصناعي المصري بدأ يسترد عافيته بدرجة كبيرة, ويضاف إلي ذلك الجهود الكبيرة التي تبذل حاليا لجذب العديد من المصانع الخارجية للانتقال للعمل في مصر حيث قررت ثلاث مصانع إيطالية بدء اتخاذ إجراءات نقل اعمالها إلي مصر. وذلك ضمن ثمانية عشر مصنعا تدرس هذا الموضوع بجدية ومازالت الاتصالات جارية مع بقية هذه المصانع لتشجيعها علي الانتقال والعمل في مصر. كما أن عشرين مصنع سوريا سوف تنتقل للعمل في مصر.. ويرجع هذا إلي عناصر عديدة تجعل إقامة المصانع في مصر من الإمور الإيجابية والمشجعة علي المستوي الدولي.. فتكلفة الحصول علي الطاقة في مصر برغم زيادتها مؤخرا فإنها لازالت أقل من نصف مثيلاتها في اوروبا. كما أن أجور العمالة المدربة في مصر يصل في المتوسط إلي ثلث مثيلها في أوروبا. كما أن السوق المصرية حجمها كبير يضم أكثر من ثمانين مليون نسمة, و في نفس الوقت فإن مصر وقعت أتفاقيات تجارة حرة واتفاقيات تجارة تفضيلية مع العديد من الدول والتجمعات العالمية تتيح للمنتجات المصرية الدخول بدون جمارك أو بمزايا تفضيلية لأسواق تضم2 مليار مواطن, كما أن لدي مصر قاعدة من المؤسسات المعدة للتعامل مع المستثمرين بالإضافة إلي الموقع الجغرافي لها.. كل هذه عوامل تشجع علي الاسثتمار الصناعي في مصر بدرجة كبيرة.