هاني عسل: من الصعب الحديث عن تأثيرات الأزمة المالية العالمية علي القارة الأوروبية دون أن يتم التطرق إلي واحدة من أكثر قطاعات الحياة في أوروبا تأثرا بالأزمة.. قطاع ظل لعقود طويلة مبعثا للمتعة ومعبرا عن الرفاهية وساحة خصبة ل'البيزنس' بالمليارات. .. باختصار.. هذا الصيف.. لن يجد لاعبو الكرة من يشتريهم ويتهافت علي طلب التعاقد معهم بأعلي الأسعار مثلما كان يحدث في السنوات الماضية! فالأزمة المالية العالمية ألقت بظلال قاتمة علي' بيزنس' الرياضة الأوروبي بشكل مريع, إلي الدرجة التي باتت فيها أندية كبيرة مهددة بالإفلاس, وأخري اضطرت إلي تخفيض أسعار تذاكر المباريات, في حين فضل البعض بيع أفضل لاعبيه, أو تقليص الميزانيات المخصصة للتعاقد مع لاعبين جدد, واتفقت الأغلبية علي تخفيض الرواتب التي يتم دفعها إلي اللاعبين والمدربين إلي الحد الأدني, دون أن يجرؤ أي لاعب أو مدرب علي الاعتراض, وذلك نظرا لأنه, ببساطة, لا يوجد بديل آخر أمامهم يساعدهم علي المساومة كما كان يحدث من قبل! وكان موسم الانتقالات في الصيف الماضي قد شهد تراجعا كبيرا أيضا مع بدء اندلاع الأزمة التي كان من أبرز تأثيرها فقدان أندية أوروبية كثيرة عددا من أبرز رعاتها, مثلما كان الحال بالنسبة لفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي, والذي اضطر إلي بيع لاعبين وعدم التعاقد سوي مع لاعب واحد فقط مشهور, هو الدولي' العجوز' مايكل أوين, لتدعيم صفوفه والاستثناءان الوحيدان اللذان شذا عن القاعدة كانا نادي ريال مدريد الإسباني الذي' رزق' برجل الأعمال الحديدي فلورنتينو بيريز الذي دعم صفوف ناديه في الصيف الماضي بلاعبين وصل سعرهم إلي265 مليار يورو, ولكنه لم يسلم من الانتقادات والاتهامات بسبب هذا الاتجاه في ذلك التوقيت, حيث اتهمته وسائل الإعلام الإسبانية بإهدار المال والحصول علي قروض بنكية ضخمة بدون ضمانات وبالاستثمار فيما لن يحقق عائدا, ولكنه تعهد مؤخرا بتخصيص ميزانية قدرها200 مليون يورو لتعاقدات الصيف الحالي, وهو رقم مشكوك فيه بالتأكيد, بينما كان الاستثناء الثاني هو نادي مانشستر سيتي الإنجليزي الذي اشتراه رجل الأعمال الإماراتي سليمان الفهيم مقابل مبلغ قيل إنه220 مليون جنيه إسترليني, ودعمه أيضا بعدد كبير من اللاعبين بمبلغ كبير, إلا أن تأثير الأزمة ظهر علي النادي الثاني الذي اشتراه الفهيم بمبلغ98 مليون استرليني, وهو نادي بورتسموث الذي تخلي عن ملكيته إلي رجل أعمال سعودي, وهبط الفريق إلي دوري القسم الأول لسوء النتائج وتعاقب الأزمات المالية عليه! وبالنسبة للدوري الإنجليزي, يؤكد تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم' الويفا' أن الأندية الإنجليزية هي الأكثر مديونية في أوروبا, حيث بلغت8,3 مليار يورو في موسم2007 2008 أي ما يزيد علي نصف إجمالي ديون أندية القارة بأكملها, بينما يأتي في المركز الثاني من حيث المديونية أندية الدوري الإسباني. وساعد علي تفاقم الأزمات المالية في الأندية الإنجليزية الاتجاه إلي بيع الأندية إلي مستثمرين أجانب مثل مانشستر يونايتد الذي بيع إلي عائلة جليزر الأمريكية وليفربول الذي بيع إلي جورج جيليت وتوم هيكس الأمريكيين أيضا, فضلا عن' الهرولة' المستمرة من جانب رؤساء الأندية الإنجليزية إلي منطقة الخليج العربي بحثا عن مستثمرين عرب يشترون أنديتهم مثلما حدث مع مانشستر سيتي! وبدت الأندية الألمانية خارج تداعيات الأزمة حسبما يؤكد كريستيان زايبرت رئيس رابطة الدوري الألماني, حيث أعلن أن الأندية الألمانية نجت من الأزمة, إذ بلغت معاملات الأندية ال36 في مختلف الدرجات أكثر من ملياري يورو في عام2009, بزيادة نسبتها أكثر من5% عن عام2008, والسبب في ذلك يعود إلي عدم إفراط الأندية الألمانية في التعاقدات الخارجية, فضلا عن قوة الشركات الراعية وارتفاع إيرادات المباريات بصورة تجعل الدوري الألماني هو الأكثر إيرادات وأرباحا في أوروبا كلها عكس ما يتصوره البعض! أما الدوري الفرنسي فالتأثيرات بالنسبة له قليلة سواء بسبب تحكم الأندية الجيد في رواتب اللاعبين أو بسبب اعتماد الأندية الفرنسية علي اللاعبين الموهوبين الأفارقة القادمين إليها بأرخص الأسعار, والذين يتم بيعهم فيهم بعد إلي الدوريات الأوروبية الأخري, ويستثني من ذلك نادي ليون الذي فقد نصف أسهمه في البورصة بسبب إفلاس بنك ليمان براذرز وإلي جانب الدوري الألماني والفرنسي يوجد تطمينان آخران بشأن عدم وجود تأثير كبير من الأزمة المالية سواء من الاتحاد الدولي لكرة القدم' الفيفا' واللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم هذا الصيف في جنوب افريقيا نقلا عن جوزيف بلاتر رئيس الفيفا وداني جوردان رئيس اللجنة المنظمة للمونديال بأن الأزمة لن يكون لها أي تأثير علي أنشطة الفيفا وعلي تنظيم المونديال. أما بالنسبة لموسم الانتقالات الشتوية, وموعدها كان في يناير الماضي, فالأرقام تشير إلي أن أندية الدوري الإنجليزي الممتاز أنفقت160 مليون استرليني, وكان مانشستر سيتي وتوتنهام هوتسبر مسئولين عن أكثر من نصف هذا الرقم, بينما في إيطاليا تراجع الإنفاق علي التعاقدات الجديدة بنسبة43% ليصبح الرقم الإجمالي29 مليون يورو فقط, وأنفقت الأندية الألمانية16 مليون يورو فقط علي شراء42 لاعبا. وكان الفرنسي ميشيل بلاتيني الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي لكرة القدم' الويفا' هو أول من حذر من خطورة الأزمة المالية علي الأندية الأوروبية, إلي درجة أنه شن حربا شعواء علي الأندية الإنجليزية واتهمها بالإفراط في منح المرتبات والإغراءات للاعبين من أجل التعاقد معهم, وهو ما دفع الصحف الإنجليزية إلي اتهامه ب'الحقد' علي نجاح الكرة الإنجليزية, ولكن بلاتيني لم يهدأ, وطرح القضية كلها علي البرلمان الأوروبي, وكان هدفه واضحا وواحدا, وهو أن يكون هناك قانون أوروبي ملزم يفرض سقفا أو حدودا قصويCaps علي تعاقدات الأندية الأوروبية مع اللاعبين والمدربين, بحيث لا تتجاوز مرحلة معينة, حتي لا تتسبب الأزمة المالية الحالية في انهيار أندية كبيرة, وحتي لا يتسبب ذلك أيضا في غير زمن الأزمة في زيادة الفجوة بين الأندية الغنية والأندية الفقيرة أو المتوسطة وكان بلاتيني محقا عندما أبلغ البرلمان الأوروبي بأن الكرة الأوروبية' ستنهار ماليا' إذا لم يتم تبني خططه الرامية لضبط سوق انتقالات اللاعبين وأجورهم, وكان موفقا جدا في قوله تعبيرا عن حقيقة تأثير الأزمة علي الكرة الأوروبية:' إنها ليست مشكلة كبيرة.. فبإمكاننا أن نلعب كرة القدم بتكلفة أقل.. وعندما يخسر البعض وظائفهم ولا يجدون الأموال لإطعام أولادهم.. فأعتقد أن هذا أهم من كرة القدم'.