أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية, في حربها علي ما يسمي الإرهاب, أقرب إلي من يصارع الأشباح ويحارب طواحين الهواء, ففي كل يوم يظهر اسم جديد تعتبره أمريكا خطر. دائما يهدد أمنها, ويؤرق نوم مسئوليها الأمنيين والسياسيين. وبعد أن كان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المطلوب الأول لديها, تعددت أسماء المطلوبين علي اللائحة الأمريكية, وربما تجاوزت أهمية القبض عليهم أو قتلهم أهمية العثور علي بن لادن, ومن هذه الأسماء حكيم الله محسود زعيم حركة طالبان باكستان, الذي عاد إلي دائرة الضوء بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر علي إعلان مقتله. عودة محسود إلي الأضواء صحبتها ضجة كبيرة في وسائل الإعلام العالمية, واهتم بها الإعلام الأمريكي بشكل خاص لعدة أسباب, من بينها تزامن ظهور أشرطة الفيديو التي حملت صورته للمرة الأولي منذ إعلان مقتله في غارة أمريكية علي معقل طالبان في وزيرستان الشمالية منتصف شهر يناير الماضي, مع حادثة العثور علي السيارة المفخخة في أحد أشهر ميادين نيويورك وأكثرها ازدحاما. وزاد من أهمية العلاقة بين الحدثين ما حملته أشرطة فيديو محسود من رسائل تهديد موجهة إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية, بأن الوقت بات قريبا لقيام' فدائيي' الحركة- الذين نجحوا في اختراق الأراضي الأمريكية- بتوجيه ضربات قاسية ضد أهداف في المدن الأمريكية الكبري, بل ومطالبة زعيم طالبان باكستان لبعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ناتو وحلفائها بالتراجع عن دعم الولاياتالمتحدة, وتوعدها بأن تلقي' إذلالا' ودمارا وهزيمة أكبر من أمريكا نفسها, فمن يكون حكيم الله محسود عدو أمريكا الجديد؟ يختلف حكيم الله محسود عن غيره من قيادات حركة طالبان, فهو وجه معروف إعلاميا, وإن كانت معظم المعلومات المتداولة عنه غير موثقة, فالمعروف عنه أنه ولد في منطقة كوتكاي جنوب وزيرستان, تلقي قسطا بسيطا من التعليم في مدرسة بإحدي القري الصغيرة في شمال غرب باكستان, ويقال أن اسمه الأصلي' ذو الفقار', وهو في العقد الثالث من العمر, وقد انضم إلي صفوف الحركة وعمل في البداية حارسا شخصيا ومساعدا لزعيم طالبان باكستان الراحل بيت الله محسود, واشتهر داخل الحركة بمهارته وشراسته في القتال, حتي أصبح أحد أهم قادتها العسكريين منذ عام2007, وقاد عدة عمليات ضد القوات الباكستانية, كان من أشهرها اختطاف300 جندي من الجيش الباكستانيجنوب وزيرستان, استخدمتهم الحركة في عقد صفقة مع الحكومة الباكستانية لإطلاق عدد من كبار قادتها. وتولي حكيم الله محسود قيادة حركة طالبان باكستان في أغسطس2009 خلفا لبيت الله محسود, الذي قتل بصاروخ في غارة لطائرة أمريكية من دون طيار علي الحدود مع أفغانستان, وترصد السلطات الباكستانية مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلي اعتقال أو قتل حكيم الله, وأعلنت الاستخبارات الباكستانية نبأ مقتله في14 من يناير الماضي, إلا أن ظهوره في أكثر من شريط فيديو ينفي هذه المزاعم, خصوصا أن مركز' انتل سنتر' الذي يراقب المواقع الإسلامية علي الإنترنت, ومقره في الولاياتالمتحدةالأمريكية, رجح أن تكون كل أشرطة حركة طالبان الباكستانية التي تم نشرها منذ الكشف عن محاولة تفجير سيارة نيويورك أصلية, وكانت أكثر الصور الواردة في هذه الأشرطة إثارة لفزع الأمريكيين صورة محسود وبجواره خريطة الولاياتالمتحدةالأمريكية موضحا عليها عدد من الانفجارات في أماكن متفرقة من الأراضي الأمريكية. التزامن بين ظهور أشرطة محسود والعثور علي السيارة المفخخة في نيويورك, إضافة إلي أن المشتبه به فيصل شاه زاد من أصول باكستانية, وقد أكدت المعلومات الأولية أنه زار باكستان العام الماضي وقضي بها شهرا كاملا, أضاف بعدا جديدا إلي تهديدات محسود, وأعطي انطباعا بأنها ليست مجرد كلمات جوفاء, لا تستند إلي الواقع, كما أنه يمثل مؤشرا خطيرا حول قدرات حركة طالبان باكستان, حيث كان من المعروف عن الحركة محدودية قدراتها وتركيز عملياتها علي الداخل الباكستاني سواء ضد قوات الجيش أو القوات الأجنبية في مناطق الحدود الأفغانية, بالإضافة إلي دعمها لطالبان أفغانستان, وتقديمها الدعم لتنظيم القاعدة, وهو ما يعني إمكانية تبني حركة طالبان باكستان لاستراتيجية جديدة تعتمد توسيع نطاق عملياتها والانتقال بها إلي دول أخري علي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. في حال أظهرت التحقيقات ضلوع طالبان باكستان في تنفيذ عملية سيارة نيويورك المفخخة, سيتأكد أن الحركة تبنت استراتيجية جديدة, تجعل منها خطرا حقيقيا علي أمن الولاياتالمتحدةالأمريكية, وسيصبح القضاء علي حكيم الله محسود أهم بكثير من القبض علي بن لادن بالنسبة للمسئولين الأمريكيين, وقد توقع مركز' انتل سنتر' أن تهديد محسود ذو مصداقية, وأن هناك احتمالا كبيرا لمحاولة شن هجمات أخري علي غرار محاولة نيويورك في الأيام والأسابيع المقبلة. [email protected]