صديقي المثقف الليبرالي اتصل بي منزعجا ومصدوما بسبب بعض ما كتبته واكتشف منه علي حد وصفه أنني كنت اخوانيا متخفيا لأكثر من25 عاما امتدت خلالها صداقتنا الوطيدة. لم أخف اندهاشي من الاتهام المباغت من صديق تحدثت معه عشرات الساعات خلال هذا السنوات وبات كل منا كتاب مفتوح أمام الآخر. حاولت أن أنفي التهمة مؤكدا أنه لو كان اخفاء الانتماء للإخوان أو التعاطف معهم منطقيا في عقود البطش الذي تعرضوا له فما الداعي لذلك الآن وبيدهم مقاليد السلطة. أصر الرجل علي سرد قائمة طويلة من الاتهامات الحقيقية والباطلة الموجهة للجماعة رغم تأكيدي أنني لست معنيا بالدفاع عنها أو تفنيد تلك الاتهامات. ما استوقفني في حديث هذا الصديق الذي اقدره واحترمه كثيرا هو نفسه ما يصدمني في النخبة المثقفة, وهو عدم القدرة علي استيعاب الاختلاف أو اعطاء الآخر الحق الذي يمنحونه لأنفسهم في تحديد الصواب والخطأ دون أن يضعوا من يختلف معهم في المعسكر المعادي. يسرفون في الحديث عن الديمقراطية ثم ينسون أنهم أول المدعوين للالتزام بتقاليدها. يفعلون ما فعله بوش عندما اندفع تحت وطأة الغضب وحمي الانتقام بعد هجمات سبتمبر ليطلق مقولته البغيضة من ليس معنا فهو مع الارهاب. المعارضة المصرية أيضا تعتبر من ليس معها فهو مع الاخوان مع أن هذا غير صحيح. يكفي أن تنتقد المعارضة أو رموزها لتصبح اخوانيا متنكرا أو معلنا لا فرق. وكأن الانتقادات يجب أن تكون مثل الطرق السريعة ذات اتجاه واحد فقط الي قصر الاتحادية. لماذا لا تكون المعارضة هي أيضا بكل رموزها المحترمة موضعا للنقد. خاصة عندما تفشل في طرح رؤية بديلة ومقنعة, أو لا يكون لديها مشروع تتفاوض عليه ويلتف حوله الرأي العام. عندما تستسهل المعارضة التعامل مع الشعب عبر الفضائيات دون النزول الي الشوارع والقري النائية كما يفعل الاسلاميون فإنها تستحق الهزيمة, سواء في معركة الاستفتاء أو الانتخابات بعد ذلك. والمؤسف أن التيار المدني الذي كان يفترض أن يقدم نموذجا عصريا للاختلاف والتسامح والحوار أصبح يتعامل مع الآخر بمنطق العدو المتربص. المفروض أن الاخوان ليسوا أعداء. وأن من ينتقد المعارضة ليس بالضرورة اخوانيا وبالتالي فهو ليس عدوا. هناك مساحة كافية لأن تكون مصريا ووطنيا ومستقلا في نفس الوقت. أي لست مع الاخوان ولست مع جبهة الانقاذ. المؤسف أن المعارضة المصرية لم تكتف بتكرار غلطة بوش وحده بل ترتكب أيضا خطأ وزير دفاعه دونالد رامسفيلد الذي جادت قريحته المريضة بمقولة قبيحة لتبرير الحرب علي العراق هي علي صدام أن يثبت أنه لا يملك أسلحة محرمة دوليا. رغم أن القاعدة القانونية تقول أن البينة علي من ادعي. أي علي أمريكا أن تثبت أنه يمتلك هذه الأسلحة إن كانت صادقة. هنا عليك ان تثبت انت ايضا انك لست اخوانيا اذا انتقدت المعارضة. ليس هذا فقط بل اننا نسمع شعارا مستهلكا هو يسقط حكم المرشد دون أن يقدموا للرأي العام دليلا واحدا علي أن المرشد هو بالفعل الذي يحكم مصر وليس الرئيس. ولو فعلوا لخرج80 مليونا يحتجون علي اغتصاب السلطة من وراء ظهورهم. الويل لمن يحاول أن يناقش جدية هذا النوع من الاتهامات المعلبة. التهمة ستكون حاضرة وسيفا مسلطا علي رقبته: اخواني مع سبق الاصرار والترصد. ويبدو أنها أصبحت التهمة المتعمدة حاليا, حيث فقدت تهمة الانتماء للفلول بريقها لدي المعارضة بعد أن بات التحرير يحتضن الفريقين معا. لا يكفي أن تنفي أنك اخوانيا لابد أن تلعنهم صباح مساء لكي تثبت توبتك. وأنك عدت مواطنا صالحا تستحق رضا الليبراليين الطيبين واليساريين الصالحين. وإلا فلتبقي مذموما محشورا في زمرة الاخوان والسلفيين. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق