رانيا رفاعي رحل عام2102 بما له و ما عليه, لكنه ترك فيما ترك من ملفات تفرض نفسها علي رأس أجندة أعمال3102 تركة ثقيلة ربما لا يكون بوسع أحد التنبؤ بما ستؤول إليه لسنوات كثيرة مقبلة.. الحكم الديني. وكان هذا العام الذي انقضي منذ ساعات قليلة حافلا بنماذج تشير إلي صعود و أفول نجم التيارات الدينية سياسيا في عدد من الدول حول العالم منها مصر وإيران و الصومال و مالي و تركيا. وكأن كل هذه السنوات الطوال التي شهدتها الإنسانية من صراع واضح بين الدين و السياسة لم تنته إلي الإجابة علي السؤال الأزلي: هل يجب فصل الدين عن السياسة؟ الحقيقة هي أن الإنسان, الذي هو أصغر وحدة في تكوين الدولة, هو نفسه خليط من الدين والسياسة والمجتمع والفن والاقتصاد.. وكل معلم آخر من معالم الوجود, ولا يمكن فصل أي منها عن الآخر في مجتمع يفترض أن نعيش فيه في سلام. بل, إن من يصر علي طرح هذا السؤال بهذه الحدية يعكس مدي تعصب صاحبه لمبدئه في هذا الشأن إما بالفصل أو بالتداخل. إلا أن النجاة من الدخول في دوامات هذا الصراع الأبدي تكمن في مقادير مكونات المعادلة التي يخلطها قادة الشعوب في سياساتهم فمن يتعمد منهم الزج بالخطاب الديني وتصدير' الدعم الالهي الذي يحظي به إلي الواجهة, فالتجربة أثبتت سقوط هؤلاء للهاوية في أقرب فرصة لهم. بل, و الأسوأ من ذلك تنفير أبناء شعوبهم من فكرة الانتماء إلي الدين في حد ذاتها. وبعيدا عن الدوران إلي ما لا نهاية في دوائر تجربة الإسلام السياسي في مصر وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلي سدة الحكم بها, تستعرض السطور الآتية تجربة الحكم الديني في عدد من الدول الأخري لأن التجربة المصرية مازالت في بدايتها, لذا فإن تقييمها الآن تنقصه الكثير من الأحداث التي ستضعنا أمام الحكم الحقيقي عليها. إيران: تضييق الخناق علي ولاية الفقيه منذ فبراير1979, وتعيش إيران تحت حكم الدولة الدينية بعد أن أطاحت الثورة آنذاك بحكم الشاه العلماني. ورغم تفاؤل كثيرين بالتخلص من حكم الشاه الذي كان مواليا للقوي الغربية علي حساب بني وطنه, بل وكان يستفز شعورهم بتعمده إغفال المبادئ الإسلامية في سياساته, وقمع المعارضين الذين ينتمون للتيار الديني. كل هذه التراكمات أفرزت الثورة الإسلامية في إيران وكونت القاعدة الشعبية العريضة المؤيدة لها. السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل بعد مرور ما يزيد علي ثلاثين عاما علي الثورة الإيرانية اليوم مازالت تحظي بنفس القاعدة المؤيدة لها; خاصة بعد ما شهده العالم من ثورات الربيع العربي؟ وربما تكون خير إجابة علي هذا السؤال تكمن في معرفة حجم المعارضة السياسية للنظام الحاكم في إيران. وكلها تؤكد أن السنوات الأربع في تاريخ بلادهم من حكم أحمدي نجاد هي سنوات عجاف, تراجعت فيها حقوقهم المدنية بشكل غير مسبوق. ورغم الصمود النسبي الذي يبدو ظاهرا للعيان أن جمهورية إيران الإسلامية تتمتع به دوليا بسبب موقفها النووي وإيمان الجميع بأن إسرائيل لن تجرؤ علي الدخول في حرب ضدها إلا أن إيران في2012 عاصرت مجموعة من الأحداث لا تنبيء بخير في عاقبتها2013. صحيح أن منحني الأحداث يسير إلي الأسفل ببطء شديد, إلا أن المسألة أشبه بالقنبلة الموقوتة التي لا يعلم أحد متي ستنفجر. خلاصة القول, ربما يكون ما شهدته إيران من أحداث العام الماضي و ما ستشهده العام الحالي ما هو إلا عملية إرساء لتراكمات جديدة تمهد لثورة جديدة. تركيا: مصداقية التيار الإسلامي علي المحك رغم كون التيارات الإسلامية في تركيا محكومة بالمنهج العلماني الأتاتوركي, و تعهدها بذلك أمام الجميع حتي لا تثير أية مخاوف بشأن مسيرة التنمية التي يحلم الأتراك بتحقيقها, إلا أن هذه المخاوف عرفت طريقها إلي نفوس الأتراك, خاصة بعد التصريح الذي تناقلته وكالات الأنباء عن أردوغان رئيس الوزراء انه علي الدولة أن تنشئ جيلا متدينا ومحافظا. وما فعله هذا التصريح هو أنه أكد مخاوف أنصار التيار الكمالي العلماني من أن البلاد تحت قيادة أردوغان تتجه نحو المزيد من الأسلمة و المحافظة مما سيعيق مسيرتها لتصبح في مصاف الدول الأوروبية. لكن هذه المخاوف لن تنتهي بين عشية وضحاها رغم تأكيد أردوغان نفسه منذ تأسيس حزب العدالة والتنمية أنه حزب اسلامي ديمقراطي علي غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب والتي تفصل تماما بين الدين والعمل السياسي وأهدافها اصلاحية وتنموية بالدرجة الأولي.3102 سيشهد ولادة الدستور التركي الجديد كما أنه من المتوقع أن يشهد المزيد من الأحداث التي ستفصح عن حقيقة نوايا الاسلام السياسي في تركيا. واحتمالات الصدام مع أنصار التيار العلماني هي أقرب الاحتمالات رغم تعمد حكومة أردوغان كسر القيود العسكرية الغليظة التي يفرضها الجيش علي نظام الحكم في تركيا. الصومال: في انتظار الأسوأ في2102, أكدت الأنباء الواردة من الصومال أن حركة شباب المجاهدين الاسلامية تراجعت بشكل ملحوظ و فقدت الكثير من مواقعها الاستراتيجية في مواجهة القوات الحكومية المدعومة افريقيا. وكان من بين أهم تلك المناطق مدينة جوهر ومنطقة كوطا. واحتفل مسئولو الحكومة الصومالية علي طريقتهم بهذه الأنباء بالتباهي بها أمام العالم اعلاميا, باعتبارها انجازا عجزت عنه الحكومات السابقة لسنوات. لكن هذا لا يمنع حقيقة أنه إلي هنا لم ينته الصراع إلي الأبد وأن تنظيم القاعدة لا وجود له في الصومال وأن حركة شباب المجاهدين لن تعاود الكرة مرة أخري لتسيل المزيد من الدماء علي الأراضي الصومالية. ووفقا للكاتب الصومالي محمد عبدي المتخصص في الشئون العسكرية فإنه لا يجب أن نعتبر أن حركة الشباب انسحبت فحسب وإنما هي فقط غيرت من استراتيجياتها في القتال وحسب. فعلينا أن نتوقع رجوع الجهاديين الاسلاميين إلي حروب الشوارع مرة أخري حتي تدور الدائرة لصالحهم. مالم تشهد3102 انجازا ملموسا في المجال الأمني ومواجهة الفوضي و لم الفرقاء السياسيين و اجراء حوار مصالحة وطني شامل فالصومال في انتظار الأسوأ.