عودة الخلافة! يجب أن أعترف بأنني من المعجبين برجب طيب أردوغان وما فعله في تركيا من تنمية وتقدم اقتصادي, ما لبث بعد فترة أن استخدمه في السياسة الخارجية التركية. صحيح أن هناك بعض التحفظات علي بعض تحركاته المسرحية إلا أن السياسة لا تصير كذلك إلا ببعض من خلط السياسة بالمسرح. وأذكر أن بيل كلينتون كتب في مذكراته أنه كان يشعر خلال حياته السياسية كما لو كان جزءا من فيلم مشحون بالإثارة والحركة. ولكن أردوغان كان دوما بطلا من نوع خاص, وظهرت هذه النوعية عندما اقترب من القضية الفلسطينية, وذهب إلي الصومال, ولكن تأثيره الأعظم كان عندما دفع مشجعيه من جماعة الإخوان المسلمين إلي استقباله بالدعوة إلي عودة الخلافة الإسلامية, وهي دعوة يضعها الأتراك من خلال صياغة راقية تتماشي مع العصر اسمها العثمانية الجديدة, وهي عثمانية لأن فيها بعضا من الخلافة التي كان فيها التأثير التركي عظيما, ولكنها جديدة أيضا لأن القديمة لم تكن تسر لا عدو ولا حبيب وعلي مدي أكثر من قرن كان اسمها رجل أوروبا المريض. المسألة هي أن أردوغان يفهم جيدا العالم الذي نعيش فيه حيث تركيا عضو في حلف الأطلنطي, ولا تزال علي قائمة البحث عن العضوية في الاتحاد الأوروبي, وهو مسلم نعم, ولكنه كذلك وفقا لمرجعية علمانية كانت هي السبب في وصوله إلي الحكم ورفع راية الإسلام عالية في نفس الوقت. الرجل من العلم والمعرفة بالدنيا والعصر الذي يعلم فيه أن المسيحية ازدهرت عندما ابتعدت عن الدولة; وأن حزبه لم يكن ليصل إلي السلطة لولا فصل الدين عن الدولة في تركيا. ولا أدري عما إذا كان قد صدم جماعتنا عندما دافع عن العلمانية ولم يجعلها صنوا للإلحاد لأنه يعلم أن الدين رحب واسع للقلب والعقل والضمير والوجدان, ولا يحتاج إلي أجهزة بيروقراطية تستغله في ترويض البشر, ووضعهم في قالب واحد لا ابتكار فيه ولا منفعة. في مصر الآن يجري تجاذب بين النموذجين الإيراني والآخر التركي; وتاريخيا كان لمصر دائما نموذجها الخاص كما حدث عند مولد الدولة المصرية الحديثة عام 1922, ولكن التاريخ لا يعيد نفسه بحذافيره, وربما كان الاقتراب من تركيا هو الإنقاذ الوحيد من إيران, ومن يعلم فربما يكون لدينا الشجاعة لكي نعود إلي أصولنا المدنية كما وضعها الآباء المؤسسون للدولة المصرية. أيامها كان هناك من يحلم بدولة الخلافة في القاهرة وليس في أنقرة!. المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد