يمثل المهاجرون مصدرا للصداع الدائم في رأس القارة الأوروبية ويبرز هذا الموضوع علي السطح من حين لآخر مع كل هجمة إرهابية أو أزمة اجتماعية أو أحداث شغب. أو حتي مشاجرة عادية يتورط فيها أحد المهاجرين. لكن في بريطانيا أصبح الأمر بمثابة ألم دائم ينبض به قلب البلاد ومسألة ملحة مع تفجر الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع معدلات البطالة إلي8% وتزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين واختلال التركيبة الديموجرافية في بعض المدن والقري البريطانية مما يهدد بانفجار سكاني. وبدأت بريطانيا, التي كانت جنة المهاجرين خاصة الآسيويين, تضيق بهم وتلقي باللوم عليهم مع كل أزمة تحدث وتتهمهم بتغير وجه البلاد ومعالمها. ومما زاد الطين بلة موجات الهجرة الشرسة من دول وسط أوروبا وأوروبا الشرقية التي انضمت للاتحاد الأوروبي عام2004. خاصة أن هذا القطاع من المهاجرين من الصعب السيطرة عليه, فهو يدخل إلي البلاد دون تأشيرات سفر ولا يسعون إلي إجراءات الإقامة الرسمية لأنهم يعملون دون قيود, لكن المشكلة ان عددا كبيرا منهم بلا مأوي أو مصدر رزق وبدأوا يتجمعون في معسكرات عشوائية مما استفز مشاعر المواطنين. ولا شك أن النتيجة الحتمية لكل ذلك هي تصاعد نبرة العداء ضد المهاجرين, وازدادت حدتها خلال موسم الانتخابات. وتوالت الاتهامات علي المهاجرين بأنهم عكروا صفو حياة كثير من المناطق الهادئة وحولوها إلي مجتمعات متنافرة مختلفة الثقافات, وتسببوا في انهيار الخدمات العامة فيها خاصة قطاعات الصحة والتعليم والإسكان. والمفارقة التي تدعو للدهشة أنه برغم الغليان الذي يكمن في العديد من المجتمعات فإن زعماء الأحزاب الثلاثة الرئيسية المتنافسة وهم جوردون براون زعيم العمال وديفيد كاميرون زعيم المحافظين ونيك كليج زعيم الديمقراطيين الأحرار يلتزمون الصمت فيما يخص هذا الموضوع, لدرجة أن صحيفة الديلي ميل اتهمتهم بالتآمر, وتجنب الحديث في هذا الموضوع. وإن كان كاميرون الوحيد الذي خصص خطابا واحدا لهذا الموضوع خلال الحملة الانتخابية وقطع وعودا غير محددة بتقليل أعداد المهاجرين من مئات الألوف إلي عشرات الألوف, ويتشكك المحللون في كيفية تحقيق هذا الوعد. ويشير الواقع إلي أن حزب العمال في الفترة الأخيرة قام بمجهودات كبيرة للسيطرة علي هذا الموضوع ووضع خطة مستقبلية لتطبيق سياسة أكثر إحكاما علي حدود البلاد للحد من طلبات اللجوء السياسي, كما بدأ عدد كبير من المحليات في تطبيق سياسة ترحيل العمال المهاجرين الذين ليس لديهم محل إقامة أو لا يكفي دخلهم لإعالة أنفسهم وذلك بعد تزايد الشكاوي من المجالس المحلية بأن الوضع أصبح لا يحتمل ويهدد بانفجار سكاني. وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن حزب العمال كانت إجراءاته فعالة في هذا المجال, فالأعداد انخفضت من245 ألف مهاجر عام2004 إلي163 ألف في العام الماضي, كما انخفض عدد طالبي اللجوء السياسي من103 آلاف عام2002 إلي31 ألفا عام2008. أما بالنسبة لتأشيرات الطلبة والتي تعد الباب الخلفي للهجرة فتم وضع ضوابط شديدة لقدوم الطلبة وعائلاتهم. وصرح متحدث باسم وزارة الداخلية أنه بحلول عام2011 سيكون لدي بريطانيا أكثر النظم تعقيدا في العالم لمراقبة القادمين والمغادرين وحساب الفرق بينهما. ولكن ما سبب صمت الأحزاب الكبيرة حول هذا الموضوع السبب الرئيسي هو قطع الطريق علي الأحزاب اليمينية المتطرفة حتي لا تفوز بمزيد من الأصوات خاصة الحزب القومي البريطاني بزعامة نيك جريفن والذي اتهم عام1998 بتوزيع منشورات من شأنها إذكاء روح التطرف العنصري, لكنه بعد أن بدأ ينتهج سياسات معتدلة فاز عام2006 ب12 مقعدا من51 في باركنج ودوجنهام وهي من أكثر المناطق تضررا من المهاجرين ومن المنتظر أن يفوز خلال الانتخابات الحالية بنحو26 مقعدا. وإعطاء المزيد من الأهمية لموضوع المهاجرين من قبل الأحزاب الكبري قد يكسب حزب جريفن مزيدا من التعاطف وهوشيء مرفوض من الأحزاب الثلاثة الكبري. بالإضافة إلي أن روح العداء ضد المهاجرين بدأت تنتشر بين المواطنين البريطانيين وأخر استطلاع حكومي نشرت نتائجه صحيفة' صن' وشمل نحو20 ألف شخص أظهر أن70% منهم يرون أن الهجرة لها تأثير سلبي علي البلاد وتسليط مزيد من الأضواء علي هذا الموضوع سيؤدي إلي انفجار موجة من العنف العنصري. بالإضافة إلي ما سبق, فالأحزاب الرئيسية الثلاثة تدرك تماما أن موضوع الاقتصاد يجذب الناخبين أكثر خاصة في الوقت الحاضر, كما أن الإفراط في إطلاق الوعود ليس من مصلحة أي حزب لأنه بالفعل لا يوجد الكثير الذي يمكن لأي حكومة تتولي السلطة أن تفعله حاليا فيما يخص هذا الموضوع لأنه ليس في الإمكان افضل مما كان, فلا يمكن المساس بأوضاع العاملين من داخل الاتحاد الأوروبي لأن ذلك يخل ببنود المعاهدة, بينما العاملون من خارج الاتحاد يمثلون خمس أعداد المهاجرين, وتم بالفعل التعامل مع العمال غير المؤهلين وترحيلهم ولم يبق سوي العمال المهرة أصحاب الدخول المرتفعة الذين يؤدون مهام لا يمكن الاستغناء عنها وتخفيض عدد هؤلاء العمال سيؤدي إلي خلل شديد في قطاع الخدمات العامة.وبالنسبة للطلبة فهم يدفعون مصاريف باهظة تشكل نسبة لا بأس بها من الدخل القومي كما انخفضت بالفعل أعداد اللاجئين السياسيين. وكلمة حق أخيرة لمن يريد أن يري الأمور بشكل صحيح, وهي أن هناك الكثير من المبالغة في تحميل المهاجرين كل مساويء المجتمع البريطاني وأنهم السبب في تغير معالم هذا المجتمع, بالإضافة إلي الجدل حول اختلاف الثقافات وعدم اندماج المهاجرين في المجتمع وعدم إجادة أعداد كبيرة منهم للغة الإنجليزية, لأن علي البريطانيين أن يعترفوا بأنهم مجتمع يتغير بشدة وبسرعة كبيرة فأعداد المراهقين المدمنين للخمر والمخدرات في ازدياد مستمر برغم أن بريطانيا من أنجح الدول في وضع نظام لعلاج وإعادة تأهيل المدمنين وأعداد المراهقات الحوامل والأطفال غير الشرعيين حققت طفرة كبيرة مؤخرا وتؤكد الإحصائيات أنه بحلول العقد القادم سيكون الأطفال غير الشرعيين هم الغالبية وتراجع معدلات الزواج وفوق كل ذلك ارتفاع معدلات الجريمة. فعلي البريطانيين أن يواجهوا أنفسهم لإصلاح ما أفسدوه بأيديهم واختيار مرشحي الحزب الذي يحقق برنامجه انجازا في النواحي الاجتماعية المتدهورة دون إلقاء اللوم علي كل سلبية في المجتمع علي عاتق المهاجرين.