ما ورد في وكالات الأنباء عن إتجاه نحو 60 محكمة دستورية عليا لتعليق العمل تضامنا مع المحكمة الدستورية العليا في مصر يعتبر مؤشرا خطيرا على الاعتداء الصارخ على السلطة القضائية، بعد إساءة بالغة لهذه المحكمة جاءت في بيان صدر باللغة الإنجليزية لوكالات الأنباء العالمية. قد شوه ذلك كثيرا صورة مصر خاصة مع التصميم على هذا الإعتداء دون العدول أو التراجع عنه أو حتى الإعتذار. أيضا فإن ما يحدث بين النائب العام والنيابة العامة نذير سيء، فما هذا العبث في تقديم استقالة ثم التراجع فيها وما هذا العبث في إصدار قوانين والرجوع عنها مؤقتا ؟ من يثق في قرارات الدولة بعد ذلك ؟ ما يحدث الآن يهز مصر على المستوى الدولي والداخلي على حد سواء، فمنع قضاة الدستورية العليا من نظر الدعاوى التي كان من المفترض النطق بأحكامها منذ أسابيع، يشكل جريمة في حد ذاته نص عليها قانونا رقمي "86" و "86 مكرر في الفقرة الأولى منه "، وهما في قانون العقوبات، والعقوبة المنصوص عليها هي السجن المؤبد أو الإعدام. أين وزارة الداخلية لتنفيذ النصوص القانونية ؟ وأين النائب العام الذي من المفترض أنه يحمي المال العام من أي تهديد أو تعدي ؟ نحن إذا أمام دولة رخوة تعلن فشلها ولن يؤدي ذلك إلا لتجريف أكثر للمجتمع ولمصر الدولة. عدم الإستقرار السياسي وتنازع السلطات ومحاولة هدمها يؤدي إلى كارثة ولا يحقق أي أهداف إلا تلك التي تريد الفوضى. إن كل التعاملات الدولية مع مصر معلقة لأن الخارج يعتمد على أحكام قضائية، وقد قرأنا جميعا ما حدث من رفض محاكم دولة أجنبية منح مصر حق الإطلاع على ملف أموال النظام السابق بعد أن وافقت النيابة في تلك الدولة على منح هذا الحق. أيضا فإن هذا الوضع غير المستقر سياسيا والذي ينتهك سلطة القضاء، يضر السياحة بشكل خطير ونحن في أمس الحاجة لدخل هذا المورد في هذا التوقيت الذي تعاني فيه الدولة انخفاضا حادا في الاحتياطي الأجنبي. ناهيك عن الاستثمار سواء الوطني أو الأجنبي، فهو يحتاج إلى محاكم وضمانات قانونية واستقرار سياسي. إن الترويع خاصة أمام المحاكم والنيابات والمجموعات الذي تنزل الشارع بالأسلحة لمهاجمة المواطنين دون أي محاسبة أو قبض عليهم من قبل الداخلية هو مؤشر خطير على كل المستويات، حتى من الوافدين من الطلاب أو الأساتذة الأجانب في مجالات العلم المختلفة. لمصلحة من يتم الترويج لمصر على أنها دولة ليس بها عدالة أو أن القانون بها معطل حتى إشعار آخر ؟ لابد أن نعلم جميعا أن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الإتجاه. فإن كنا جميعا نتحدث عن أمن وعن استقرار، يجب على كل الأطراف التي أثبتت في الأيام السابقة قدرتها على الحشد أن تتحاور وتتفق مهما كان الأمر ومهما كانت التنازلات، حتى نستطيع جميعا حماية الوطن الذي إن سقط لا قدر الله فسيسقط الجميع. صدق الشاعر جبران خليل جبران حين قال : " ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء وكل جزء يحسب نفسه أمة ".. كلنا مصر ومصر تسعنا جميعا على أرضها .. اللهم افرغ علينا صبرا واحفظ وطننا من كل سوء.