كتبت فيما سبق عن ضرورة أن تكون هناك معارضة موزونة ومتزنة ووازنة, وقلت في صدر هذه المقالة, إن قراءة قوانين التعدد والاستهام والاختلاف, تؤكد أن مصلحة الوطن أن تكون هناك سلطة تتمتع بالشرعية والهيبة ولكن هذه المصلحة لا تتحقق إلا في ظل وجود معارضة موازنة ومتوازنة ووازنة, معارضة قوية قادرة علي القيام باستكمال ميزان الحياة السياسية والمجتمعية, بكفتيه: سلطة فاعلة عادلة, ومعارضة ناقدة ومسددة, اعتدال كفتي الميزان هو الذي لا يسمح باختطاف من سلطة مهيمنة متغولة للوطن, أو اختطاف من معارضة هزيلة لمصالح الوطن العامة وإدعاء تمثيلها تعمل في فضاء الإعلام أكثر مما تعمل علي واقع الأرض ومع الناس, وقلت في خاتمتها, إن الأمل معقود علي صعود معارضة حقيقية موازنة, تمارس وظائفها بقوة وفاعلية,وأن المعارضة الوازنة طاقة محتملة لمعارضة متوازنة وموازنة لا تنفرد فيه سلطة بهيمنة أو إغراء بها, ولا تنكص فيه المعارضة عن القيام بأدوارها وفعاليتها. وتأسيس المعارضة جزء لا يتجزأ من عمليات التحول الديمقراطي, من هنا يمثل نموذج المعارضة السياسية وطرائق ممارستها أهم الأدوار في صياغة رشيدة لعملية الانتقال الديمقراطي لا تهدر فيها الطاقات ولا الاستثمار السياسي لهذه المرحلة بما تقدمه المعارضة من حالة مسئولة وملتزمة بقضايا الوطن الكبري ومصالح الأمة العامة,إن شراكة الجميع سلطة ومعارضة في مسارات وعمليات التحول الديمقراطي أمر يمكن من إنجاز عملية التحول بالكثافة المطلوبة والسرعة الواجبة والالتزام بالمسئولية السياسية اللازمة. الحالة المصرية في هذا المقام تمثل نموذجا مهما, لو أردنا بكامل الإرادة والإدارة السياسية أن ننجز خبرة تحتذي ويقتدي بها مسارات ومقاصد, إلا أن أخطر المعوقات في هذا المسار أن تتصدر عمليات السجال السياسي في المشهد السياسي, خاصة في حالة الاستقطاب حينما يكون تحت عناوين مختلفة بين الديني والمدني وترويج الهواجس في التعامل السياسي وتآكل رصيد الثقة بين القوي السياسية المختلفة. من المهم بمكان أن نؤكد أن مسارات التحول الديمقراطي وعملياته مثلت للأسف الشديد حالة من الاستقطاب, وظلت موضوعات هذا التحول مجالا للتنازع والخطاب السجالي من مثل: الدستور, الاستفتاء, الجمعية التأسيسية, الانتخابات, المؤسسات بين البناء والحل, العلاقة بالمؤسسة العسكرية, التظاهرات والاحتجاجات وتقاطعها مع الانتخابات, الإعلانات الدستورية, الاستفتاء علي مسودة الدستور, كل هذه الأمور شكلت مجالا للتنازع السياسي مما أدي إلي تآكل رصيد الثقة المتبادل بين القوي السياسية المختلفة وهو ما أثر بالسلب علي عمليات التحول الديمقراطي والتشكيك في بعض متحصلاتها ونتائجها, وكان من جملة هذا الاختلاف حينما تعرض هؤلاء لمسارات التحول الديمقراطي وأولوياته. وانتقل الخلاف الي حالة حشدية من أطراف الاستقطاب لتشكل حالة ضاغطة, وصار التنابذ بالحشود في مجال الفعل ورد الفعل, الخروج من الحالة الحشدية المرشحة في حال الاستقطاب الي تحولها الي ظاهرة جماهيرية تستعصي علي الضبط وتؤدي الي وقوع ضحايا وشهداء ومصابين. إن مانقصده من معارضة الإسقاط أن تحمل شعاراتها وبياناتها معاني الإسقاط والهدم والرفض لا معاني التنافس السياسي والتفاوض المجتمعي, فتنادي بوقف كل شيء, وإسقاط كل مؤسسة, وتفرض شروطا تعجيزية ترفع فيها سقوف المطالب تصل في منتهاها الي إسقاط الرئيس حتي لو كان ذلك شعارات للمتظاهرين والمعارضين, وخطورة ذلك في رأيي الذي قد يكون خطأ أن السير في هذا المسار هو عين الفوضي وعدم القدرة علي الانتقال الي مرحلة البناء أي بناء, وأقولها صادقا ولست مهوشا أنه لن يعيش في مصر أو لها رئيس, لأننا نكون قد وصلنا الي عقلية كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. وكذلك فإن مانقصده من إسقاط المعارضة, أن يتصرف من هم في السلطة ويستسهلون تخوين المعارضة عند الاختلاف في الرؤي, والتصرف في السياسات والقرارات وكأن المعارضة لا قيمة لها بمنطق أعلي مافي خيلكم إركبوه, أو إن كنت معارضا, فاضرب دماغك في أقرب حائط, أو تحدث بما شئت وطالب بما ترغب ولكننا في النهاية سنفعل مانريد, إن التصرف بهذه العقلية بإسقاط المعارضة من حسابات السلطة أمر خطير لايعبر عن صياغة لتعاقد سياسي جديد يواكب الثورة في مطالبها في الحرية والحكم الرشيد, بل هو أمر يحاكي النظام السابق في عدم الاكتراث بحركة المعارضة ومطالبها, أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم. إن أهمية الحوار الوطني كواحدة من الآليات السياسية المهمة بين تنوعات القوي السياسية والمجتمعية لهو من الأمور التي يمكن أن تمكن لإدارة سياسية راشدة, وهو يشكل واحدا من أهم الأدوات لإدارة التعددية وإدارة الحوار خاصة حينما يشكل هذا الحوار آلية في بناء توافق سياسي واجتماعي جديد يتوافق مع الثورة ومكتسباتها واستكمال مسيرتها وأهدافها وإن عملية القصور والتقصير في بناء آلية للحوار المستدام كان من الأمور الخطيرة التي جعلت مساحات الاستقطاب والاستبعاد والإقصاء تمتد وتتمدد, ومن الأمور المقررة في هذا المقام أنه ليس من معاني الحوار أن نؤزم المواقف ونتخذ القرارات, ثم نتنادي للحوار خروجا من المآزق والأزمات, لأن القاعدة الذهبية تقتضي بضرورات الحوار قبل القرار, وليس بعده أو لحل معضلاته لأن ذلك إهدارا للطاقة ورفعا لتكلفة القرار الي أقصي حد ومن غير حد. صحيح أن العلاقة بين السلطة والمعارضة مازالت في بداية تدرجها تحت وطأة التجفيف السياسي وتجريف كل الأنشطة السياسية الحقيقية, لكن لابد علي من يريد احتراف المعارضة وامتلاك السلطة القائمة أن يسرعابالتأقلم والتمكن من أدوات العمل و تمكين طرق الممارسة بالنزول لطبقات الشعب, حاملا الهموم وبانيا برامج عمله حتي يكون حاضرا في حسابات الشعوب و رقما صعبا في ورقة الإنتخاب, فحيثما تكون السلطة تكون المعارضة, وكما لا يطالب أحد من السلطة أن تتخلي عن وجودها, فلا أحد يملك أن يطالب المعارضة بالتخلي عن وظيفتها, أو القيام بأدوارها, السلطة والمعارضة ركنان أساسيان لاستقرار المجتمع وتطوره, ومن غير المتصور أن يكون هناك في عالم اليوم سلطة بلا معارضة. أردت من هذا البيان أن نتحرك صوب علاقات سوية بين السلطة والمعارضة, تصاغ هذه العلاقات ليست في الدساتير المكتوبة, ولا بالقوانين المشروعة, وإنما تصاغ من رحم ثورة جمعت بين هؤلاء وهؤلاء في الميدان, وجمع بينهما وطن وكيان, ومثل هذا وذاك كفتا ميزان, وصياغة مجتمع الأمان. المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح