تحتل المحكمة الدستورية العليا مكانة متقدمة علي مدي أكثر من40 عاما,حيث تحتل المرتبة الثالثة من بين المحاكم الدستورية الأكثر تقدما علي مستوي العالم. وجاءت هذه المرتبة المرموقة تقديرا لما أصدرته من أحكام في حماية الحقوق والحريات وكذلك الأحكام التي أصدرتها وتمس المواطن البسيط في قوت يومه,سواء ما اتصل منها بالمعاشات أو الرعاية الصحية أو العلاوات أو التقاعد والضرائب أو الدفاع عن حرمة المسكن. وعلي امتداد هذه السنوات لم تواجه المحكمة مثل هذا المشهد الذي رأته أمام المحكمة من المتظاهرين الذين حاصروها مرددين الألفاظ النابية ضد أعضائها. الأهرام أجري حوارا مع المستشار ماهر سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والمتحدث الرسمي باسمها بعد أن فوضته الجمعية العمومية للمحكمة للتحدث باسمها لمعرفة ما دار يوم الأحد الماضي وما إذا كانت المحكمة ستعقد جلساتها في الأيام القليلة المقبلة في أي مكان آخر وعن سبب حالة العداء في الوقت الحالي بين جماعة الإخوان والمحكمة الدستورية وغيرها من الأسئلة المهمة التي أجاب عنها باستفاضة. هل تري أن الشرطة قصرت في حماية المحكمة الدستورية يوم الأحد الماضي يوم نظر جلستي مجلس الشوري والجمعية التأسيسية للدستور؟ سأسرد تفاصيل وتداعيات الموقف تفصيلا دون حكم وأترك للقاريء الحكم بما يستقر في وجدانه من خلال قراءته للأحداث وتوابعها إذا كان هناك ثمة تقصير وغيره. أولا: أصدرت وزارة الداخلية عدة بيانات أكدت فيها أن وزير الداخلية يتواصل مع رئيس المحكمة بالحديث خلال الأيام الماضية وأنه أكد تأمين قوات الشرطة للمحكمة وقضاتها يوم الجلسة المحددة والحقيقة أن وزير الداخلية لم يجر سوي اتصال واحد مع رئيس المحكمة يوم الأحد الساعة الواحدة ظهرا وأبلغه بأنه علي استعداد أن ينقل القضاة من منازلهم لو اقتضي الأمر أن ينقل كل مستشار في عربة مصفحة.. فهذا هو التواصل الذي تحدث عنه وزير الداخلية وهي مكالمة هاتفية وحيدة تمت بعد تأجيل الجلسة وتعليق العمل بالمحكمة لثلاث ساعات والحقيقة أن ترتيب الأحداث كما يلي: تم الاتصال بين رئيس المحكمة ومدير أمن القاهرة يوم الخميس الموافق2012/11/29 للاتفاق علي تأمين المحكمة وكما أعلن في وسائل الإعلام علي لسان البعض من جماعة الإخوان المسلمين من تنظيم هذه المظاهرات, إلا أنه حتي الساعة الخامسة مساء يوم السبت لم يكن أمام المحكمة أي قوات شرطية أو أي وجود أو حضور حول المحكمة رغم ما تردد من أن جموعا من المتظاهرين سيتوجهون من أمام جامعة القاهرة إلي المحكمة الدستورية للمبيت أمامها والاعتصام حولها وفي ذات اليوم عاود المستشار ماهر البحيري رئيس المحكمة بالاتصال بمدير أمن القاهرة ولكنه فشل في الاتصال بمدير الأمن واتصل بعد ذلك برئيس المنطقة الجنوبية ووعد بإرسال قوات الساعة السادسة ووصلت سيارتان تابعتان لقوات الشرطة إلا أنهما جاءتا بعد أن امتلأت ساحة المحكمة بالمتظاهرين الذين قاموا بنصب الخيام وافتراشهم الطرقات واستمر توافدهم حتي صباح يوم الأحد موعد نظر الجلستين وتزايدت القوات صباح يوم الجلسة منذ الصباح الباكر وكانت حشود المتظاهرين قد طوقت المحكمة وحاصرتها وتسلقت الأسوار وسدت مداخل الطرق أبوابها وبدا للمتظاهرين أن الشرطة تتفادي أو تتجنب الصدام معهم أو محاولة اخلائهم من مواقعهم لاعتبارات خاصة بالشرطة وردد المتظاهرون العديد من الهتافات المعادية للمحكمة وسبها بأحط الألفاظ. ويتساءل الناس هل حضر القضاة وتم منعهم من الدخول والحقيقة أن كل الأجواء التي أحاطت بالمحكمة حالت بينهم وبين امكانية الوصول أو الدخول إلي المحكمة ودليل ذلك انه وصل ثلاثة قضاة فقط من قضاة المحكمة, اثنان منهما استطاعا الدخول إلي المحكمة من طرق غير رئيسية حيث دخل الأول عن طريق مستشفي المعادي في قسم الكلي والثاني عن طريق باب الطوارئ ثم ترجل, ودخل آخر المحكمة من الباب الخلفي وقام أحد القضاة بخلع سترته ورابطة عنقه في سيارته التي أوقفها بعيدا عن المحكمة وحضر مترجلا يحاول دخول المحكمة من الباب الخلفي لكنه فشل في الدخول, ويستمر المستشار ماهر سامي في سرد تفاصيل ما حدث يوم الأحد وعن انعقاد جلسة المحكمة يقول إن أحد المستشارين اللذين دخلا إلي المحكمة دخل من الباب الخلفي علي أنه محام, متسائلا هل كان من المطلوب أن يتنكر قضاة المحكمة في أزياء مختلفة ويتسللوا فرادي من الأبواب الخلفية ويقوم الأمن بتهريبهم إلي داخل المحكمة, في هذا الوقت كان رئيس المحكمة يتصل بمدير أمن المحكمة الذي قال إنه لا يضمن سلامة اي من القضاة الذين يحضرون الي المحكمة. وألخص لك ماسبق بأن الترتيبات الأمنية لم تكن تتناسب مع جسامة الحدث وكان في مقدور الشرطة ان تخلي حرم المحكمة مثل ما حدث يوم الحكم في دعوي حل مجلس الشعب حيث كان المجلس العسكري يشرف علي الترتيبات الأمنية ولم يحدث مثل ما حدث يوم الأحد ويضيف المستشار ماهر سامي أنه يعود للمكالمة التي دارت بين رئيس المحكمة ووزير الداخلية حيث إن رئيس المحكمة أبلغ وزير الداخلية بأن المشكلة ليست فقط مجرد تأمين القضاة في الدخول الي المحكمة, لكن الأمر أكثر تعقيدا وهو سلامة القضاة كيف يخرجون منها اذا نطقت المحكمة بأي حكم علي غير هوي المتظاهرين, يقينا كان هناك تهديد سافر يعرض سلامة القضاة للخطر. وحتي نكون قد انتهينا من الرد علي بيانات وزارة الداخلية والكلام علي لسان نائب رئيس المحكمة الدستورية بأن بيانات وزارة الداخلية حتي هذه اللحظة هي ان الوزارة تقوم بتأمين دخول القضاة الي المحكمة وتمكين المحكمة من مباشرة عملها فانه مازالت حتي الآن جموع المحتشدين ترابط حول المحكمة من كل جانب تتربص بكل سيارة قادمة الي المحكمة يتوهم أن بداخلها أحد قضاها وترديد السباب والاهانة لمستقليها ويدخل القاضي الي باب المحكمة وقد انهالت عليه اللعنات والاهانات والتجريح ولم تنجح الشرطة حتي الآن في ابعاد المتظاهرين عن مداخل المحكمة والحفاظ علي كرامة القضاة أثناء قدومهم, فهل يعقل ان يكون هذا هو التأمين الذي تقصد به وزارة الداخلية؟ هل يجوز انعقاد المحكمة الدستورية في أي مكان آخر؟ من الناحية القانونية ليس هناك مانع قانوني من عقد جلسات المحكمة خارج مبناها اذا حدث ظرف طارئ أو قوة قاهرة تمنع عقدها داخلها لأن الدستور يقول إن المحكمة الدستورية هي جهة قضائية قائمة بذاتها ومقرها القاهرة في أي مكان في مدينة القاهرة والتفسير المنطقي هي مدينة القاهرة الكبري لان هناك اجراءات لابد ان تلتزم بها المحكمة لنظر الدعاوي المطروحة عليها ولابد أن تعلن الخصوم ولابد أن يعلن أطراف الدعوي وحضور المحامين في المواعيد المقررة ولكي يتم ذلك لابد من إخطار أطراف الخصوم جميعهم بمكان انعقاد المحكمة, لكن المشكلة ستجدد مرة أخري لأن أحد اطراف الخصومة هم من حملوا الدعوة الي التظاهر أمام المحكمة والتحريض عليها وتوجيه السباب والاهانات لها فكأنك بذلك تنقل موقع الصدام من مكان الي آخر فسيلاحقك المتظاهرون ويطاردونك في أي مكان تحل فيه. هل ستشهد الأيام المقبلة انعقاد المحكمة بعد تعليقها؟! لابد من ان أسجل أن ما حدث يوم الأحد كان مشهدا مجللا بالعار والخزي والانكسار, هذا المشهد الحزين بكل ما انطوي عليه أو اشتمل عليه من اعتداءات وانتهاكات واهانات ولعلك تشاطرني ذلك بأن قضاة المحكمة وهم في النهاية بشر وليسوا ملائكة احسوا احساسا عميقا بالمرارة والغضب حفر في داخلهم جرحا غائرا, لا أظنه يلتئم سريعا ولذلك فإن مواصلة المحكمة لعملها ونظر الدعاوي المقيدة لديها والمطروحة عليها متوقف علي استعادة المناخ الطبيعي للعمل الذي يتجرد فيه القضاة من أي مشاعر للغضب والمرارة والاحباط مما طرأ عليهم من عدوان واهانة لأن القاضي لا يحكم وهو غاضب وايضا حين يتوافر عنصر الأمان لهذا القضاء. يقال إن راتب أي مستشار بالمحكمة الدستورية لا يقل عن خمسين ألف جنيه فهل ذلك صحيح؟! أنا سمعت ذلك ايضا وقد ذكر أحد المحامين من تيار الإخوان المسلمين أن عضو المحكمة الدستورية يتقاضي خمسمائة الف وأربعة وثلاثين جنيها ولاحظ دقة الرقم, والمحامي الآخر ذكر أن الراتب هو مئتا ألف وستون جنيها شهريا وسمعت ايضا بأن الراتب يتراوح ما بين خمسين وثمانين ألف جنيه شهريا وهذه كلها أرقام بعيدة عن الصحة تماما ومن نسج خيال مروجيها والحقيقة أن راتب أي مستشار بالمحكمة الدستورية محدد طبقا للسلطة القضائية مثل أي مستشار في الدرجة الذي يتقاضاه أي عضو هيئة قضائية أخري وعضو المحكمة محظور عليه بنص قانون المحكمة الندب طوال الوقت أو بعضه علي عكس ما هو مسموح بالنسبة لباقي اعضاء الهيئات القضائية الأخري وتخضع هذه الرواتب للجهاز المركزي للمحاسبات ما مصير المحكمة الدستورية بعد الدستور الجديد؟ لعلك اطلعت علي النصوص الخاصة بالمحكمة الدستورية وكنا نبدي الملاحظات ونرسلها الي رئيس الجمعية التأسيسية للدستور طوال فترة عملها وتم ابلاغنا بأنه جري الاستجابة لجميع مطالب المحكمة في مشروع الدستور وهي ليست مطالب وانما هي نصوص مقترحة لتأكيد استقلال المحكمة و كفالة حقها في ممارسة اختصاصاتها الا أن المحكمة وجدت في الجلسة الأخيرة للجمعية التأسيسية أنه قد حدث تغيير جوهري في نصوصها لم يستطلع فيها رأي المحكمة وذلك يمثل عدوانا عليها وتقويضا لها ولاختصاصها وعزلا لبعض قضاتها. ويتضمن مشروع الدستور نصا بأن تشكيل المحكمة يكون من رئيسها وعشرة مستشارين وذلك ورد ضمن الاحكام الانتقالية كما يعني تنفيذ الدستور علي المحكمة الدستورية الحالية المكونة من ثمانية عشر عضوا في ظل الدستور القديم وهو عدد كاف من القضاة ورئيس المحكمة حيث لم تتضمن مسودة الدستور الحالية هذا العدد, ولم يترك ذلك لمقتضيات العمل ربما يقتضي العمل انشاء دائرتين بدلا من دائرة واحدة احيانا يكون فيها دعاوي مخاصمة أو دعاوي رد هيئة المحكمة التي تنظر الدعوي ويكون عدد القضاة في الجلسة سبعة قضاة تم ردهم, فلابد من وجود دائرة أخري تنظر الرد, ثم ورد نص آخر يقضي بأن يستمر التشكيل الحالي للمحكمة من رئيسها واقدم عشرة من اعضائها ويعود الباقون الي أماكنهم الأصلية وهذا في حقيقة الأمر يمثل عزلا لسبعة من قضاة المحكمة لأن مقصد اعمال هذا النص أن يخرج من تشكيل المحكمة قضاة معينون بذاتهم الي مكان اخر انقطعت صلتهم به ولم يكن لأحد منهم صفة وظيفة فيه. هل المقصود من خفض عدد أعضاء المحكمة من18 إلي11 في الدستور الجديد التخلص من المستشارة تهاني الجبالي؟ انا في النهاية قاضي لا أبني أحكامي علي ظنون خاصة ولابد ان أبني ما أقول علي أدلة يقينيه تحت يدي وحتي الآن لا أعرف. ماهو سر العداء المستحكم بين جماعة الإخوان والمحكمة الدستورية؟ هذه الخصومة لا يخفي سرها علي أحد حيث ذكرت المحكمة الدستورية في بيانها الأخير أنه منذ حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية نصوص انتخابات مجلس الشعب والإخوان يناصبون المحكمة الدستورية أشد العداء والهجوم والتطاول والتعريض بها وبقضائها و اهانتهم رغم أن المحكمة كانت تؤدي واجبها طبقا للدستور والقانون وتؤكد في كل مرة أنها لا تحمل عداوة لأحد وليست طرفا في الخصومة مع أحد. بعد تعليق المحكمة الدستورية عملها بسبب التظاهرات, هل كان لذلك أثر في العالم علي سمعة المحكمة ومصر؟ في الحقيقية تتملكني الحيرة في أن أتصور أي ضمائر وطنية يحرض أصحابها مظاهرات ويدفعون بحشود لهدم المحكمة الدستورية واهدار أستقلال القضاء وانتهاك سيادة القانون ولا يتنبهون أنهم أنقضوا بمحاولتهم لهدم مصر أو لهدم سمعة مصر أمام العالم كله وعلي سبيل المثال وصل امس زميلان كانا يمثلان المحكمة في ندوة دولية بالرباط حول الحقوق الدستوية وضمان حمايتها وكان يحضرها عدد من ممثلي المحاكم الدستورية في دول أوروبية وعربية ونقله الينا الزميلان أن الندوة بكاملها تحولت الي حديث متصل عما تردد من أخبار فيما وقع علي المحكمة الدستورية من عدوان سافر واهانة لأعضائها وأن ممثلي الدول في المحاكم أثبتوا استنكارهم وادانتهم لهذا العدوان الذي يمثل جريمة كاملة الأركان في حق القضاء الدستوري وأبلغنا رئيس البرلمان الأوروبي بأنه أعلن اعتراضه علي المعونات وعدم موافقته علي منح الأتحاد الأوروبي أي معونات لمصر في ظل هذه الانتهاكات لسيادة القانون عقب تعليق المحكمة الدستورية لجلساتها كما توالت ردود الافعال في عدد من المحاكم الدستورية ذات الصلة بالمحكمة الدستورية المصرية وتعلن وقوفها الي جانبها.