لكن يبدو أن منصب السيدة الأولي في الصين مختلف عنه في كثير من دول العالم, فأعراف بلاد التنين تجبر زوجات الزعماء علي التواري عن الأضواء والابتعاد عن السياسة, لا يقدمن الدعم لأزواجهن علي طريقة ميشيل أوباما ولا تحظين بالبريق علي طريقة جاكلين كيندي. , بل يضرب عليهن ستار من السواد مثل الذي يضرب علي كل شئ يتعلق بالقادة, لدرجة أن الكثير من الصينيين لايعلمون اسم ليو يونج كينج زوجة الرئيس المنتهية ولايته هو جينتاو, وقليلين من يستطيعون التعرف عليها وسط مجموعة من الناس. ولكن السؤال الذي يطرح بقوة الآن: هل سيبقي هذا الوضع علي ما هو عليه مع السيدة الأولي الجديدة بينج لي يوان زوجة الرئيس المقبل شي جين بينج؟, والذي سيتولي زعامة الحزب الشيوعي الحاكم ورئاسة الدولة بعد انتهاء ولاية هوجينتاو في مارس المقبل خاصة أن بينج ليست شخصية مغمورة في الصين, فهي مطربة سوبرانو تتمتع بشهرة طاغية, وتحظي بشعبية جارفة بين الصينيين, وهو الأمر الذي دعا المراقبين لشئون القصر الرئاسي إلي التجرؤ علي التساؤل: هل نحن أمام كارلا بروني ساركوزي جديدة في الصين؟. تمتلك بينج(49 عاما) كل المقومات التي تجعلها تحدث ثورة في الصورة المحافظة لسيدة الصين الأولي, فهي بشهادة كل من عرفها مهذبة وتمتلك قلبا صادقا محبا وداعما للقضايا الخيرية, تتحدث الإنجليزية بطلاقة ولا تبقي بينها وبين معجبيها مسافة كبيرة, ظلت طوال أكثر من عقدين من الزمان شخصية أنيقة المظهر واسما أساسيا في عروض المنوعات المبهرة التي تستقبل بها البلاد بداية السنة الصينية الجديدة, حيث تخرج في الغالب من وسط مجموعة كبيرة من الراقصين والراقصات لتتغني بتضحيات جيش التحرير الشعبي الذي أنعم عليها برتبة مدنية تعادل رتبة اللواء, حريصة علي وضع شعبيتها في خدمة القضايا الإنسانية فهي منذ العام الماضي سفيرة لمنظمة الصحة العالمية لمحاربة السل والإيدز, ويتذكر الصينيون عام2008 عندما ضرب زلزال قوي إقليم سيشوان مخلفا90 ألف قتيل, كيف أنها زارت المناطق المتضررة وأحيت حفلا غنائيا هناك, وأرسلت ابنتها البالغة من العمر16 عاما آنذاك لمساعدة المتطوعين. وصلت بينج التي ولدت في بلدة صغيرة بإقليم شان دونج شمال شرق البلاد والتحقت بالجيش وهي في الثامنة عشرة من عمرها, إلي الشهرة قبل وقت طويل من لقائها بزوجها شي, وحينما تعرف الزوجان إلي بعضهما البعض من خلال صديق مشترك عام1986 كانت بينج بالفعل نجمة ساطعة في سماء الغناء, وكان شي وهو ابن واحد من أبطال الثورة مسئولا صغيرا بإقليم فوجيان, وكان قد طلق زوجته الأولي مؤخرا. لم يلفت شي انتباه زوجته من الوهلة الأولي, فهو علي حد تصريحها لإحدي الصحف لم يبدو بسيطا ساذجا فحسب, بل بدا أيضا أكبر من سنوات عمره. ولكن ما إن فتح شي فمه حتي تلاشت اعتراضاتها ليتزوجا بعدها بعام. وقد كانت هذه العلاقة تتطلب الكثير من الحلول التوافقية, حيث أنهما نادرا ما كانا يظهران معا, ففي عام1992 أجبرته واجباته الرسمية في أثناء هبوب إعصار في إقليم فوجيان علي عدم حضور مولد ابنتهما الوحيدة التي تدرس حاليا في جامعة هارفارد, وحتي وجودهما في نفس المدينة لا يضمن أن يلتقيا معا. فعلي حد قوله إنهم لن يسلما من ثرثرة الصحف والإعلام وهذا ليس جيدا بالطبع بالنسبة لهما. وكما يقال في الصين إن النساء والسلطة مثل الزيت والماء لا يختلطان, لذلك منذ أن تم تعيين زوجها في منصب نائب الرئيس في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي عام2008 تخلت بينج عن مسارها كمغنية, فمن بين350 حفلة كانت تقيمها أصبحت ترفض عروضا كثيرة بأجور فلكية وتخلت أيضا عن الفساتين التقليدية الصينية التي كانت تظهر بها في التليفزيون وعوضتها بالأزياء العسكرية. ظلت بعيدة عن الاضواء إلي حد أن الموضوع أصبح من قبيل التابوهات, فاسم بينج لي يون أو تعبير السيدة الأولي ممنوع علي الشبكة الاجتماعية الافتراضية الصينية, بل إن مقص الرقابة شمل عام2007 استجوابا للسيدة تحكي فيه عن لقائها الأول مع زوجها والحياة اليومية للزوجين, وقولها في مقابلة أخري نادرة: عندما يعود شي إلي المنزل لا أفكر فيه كقائد, فهو في رأيي زوجي فقط, وعندما أعود إلي المنزل لا يفكر في كنجمة مشهورة. ولعل بينج تعي تماما كيف يمكن أن يكون ظهورها الإعلامي مضرا بالنسبة لزوجها, فهي تتذكر جيدا اسم جيانج كينج, تلك الممثلة المغمورة زوجة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج التي أصبحت قصة حرمانها من السلطة وطردها من الحزب الشيوعي وموتها منتحرة تدرس في كل المدارس الصينية كتحذير, وذلك بعد استغلالها نفوذ زوجها في تصفية حسابات شخصية, لترتبط منذ ذلك الحين صورة الفتاة الجميلة والرجل صاحب النفوذ في الصين بالفساد. وبرغم ذلك هناك من يري أن ظهور بينج في الحياة السياسية في الوقت الحالي والوقوف بجانب زوجها أمام الستار وليس خلفه قد يكون مكسبا مهما لزعيم الصين الجديد لدي الرأي العام, نظرا لما تتمتع به بينج من شعبية تستطيع من خلالها إضفاء قليل من الطابع الإنساني علي القيادة الصينينة وأصحاب البزات المتصلبة الذين باتت تصرفاتهم أشبه ب روبوت ضمن آلة الدولة دون تمتع أي شخصية منهم بجاذبية علي الاطلاق, ووسط حزب ينخر فيه الفساد فإن ظهور المغنية المفعمة بالحيوية وإستخدامها كسلاح من أسلحة القوة الناعمة سواء داخل البلاد أو خارجها قد يجعل الحزب يبدو أكثر إنسانية وأقل ميكانيكية.