من العجب وما يثير السخرية أن يطالب الشواذ جنسيا في أمريكا بحقوقهم في الدستور, ونحن أهل الطهر والدين والشريعة نتراخي ونتهاون في المطالبة بتحكيم شرع الله المنزه عن أي نقص أو خطأ لأنه من عند الله! إنني أشكر المعترضين والنخبة التي انسحبت من اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور بعد ما أوشك علي الانتهاء لأنهم أكدوا لنا أن أمرا مريبا يحاك لا يهدف إلي إصلاح و إنتاج الدستور بقدر ما يهدف إلي تعويق مسيرة مصر والثورة, وعدم تمكين الفكر الإسلامي فكر الأمة, ونبض مصر الأزهر من الدستور.. أشكرهم هم وكل المؤيدين لهم من المعارضين للدستور, وهذا حقهم لأنهم بذلك أيقظوا كل غيور علي دينه من غفلته وتهاونه فأصبح من سباته قائلا: لم نرض الدنية في ديننا؟ إذا كان الشواذ يطالبون بحقوقهم, وإذا كانت النخبة في مصر تنسحب وتعترض وتقود وتمهد الطريق للمعارضين.. إن ما تفعله النخبة الآن يمثل استفزازا للقطاع العريض والأوسع من الشعب المصري الذي يعيش فطرة الإسلام وتنبض عروقه بحب الدين والشريعة والعلماء, وأمام هذا الاستفزاز فإنهم يعيشون الآن موقف سيدنا عمر بن الخطاب حين قال لرسول الله صلي الله عليه وسلم: ألسنا علي الحق يا رسول الله, قال: بلي, قال: فلم نرض الدنية في ديننا؟ أشكر هؤلاء النخبة والمعارضين لأنهم حين يمنعوننا حقوقا مؤكدة, فإن منعهم هذا هو عين العطاء, كما قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه ربما يكون المنع هو عين العطاء. هذا الموقف الاستفزازي والمعارضة من أجل المعارضة والانسحاب غير المبرر سوف يفرض سؤالا علي كل مصري بسيط, ومواطن صالح عادي يريد لعجلة الحياة أن تسير, ولسفينة مصر أن ترسو علي بر الأمان بعد هذه الأعاصير العاتية, هذا المواطن أمام هذا الاستقرار سوف يتحاور مع نفسه في يقظة وعقل وحكمة من خلال هذه التساؤلات. هل الدستور قرآن منزل لا يأتيه الباطل من يديه ولا خلفه, ولا يقبل الإضافة أو النقصان؟ الإجابة: لا إنه عمل بشري اجتهد فيه أصحابه ولن يخلو مطلقا من العيوب لأنه بشري ونحن في مرحلة الصياغة يمكن تدارك العيوب قدر الإمكان وفي إطار التوافق والمصلحة العامة علي مدي المستقبل والأيام والأعوام. هل الانسحاب حل حضاري ووطني ويراعي مصلحة الوطن, ولماذا الآن وقد أوشكنا علي الانتهاء من الدستور وماذا كان يمكن فعله؟ الانسحاب مريب خاصة في هذا الوقت الحرج, وهو دليل علي الإفلاس والضعف لأن القوة تكمن في الحوار والقدرة علي الإقناع والتعديل والتغيير, وهذا هو أصل عمل التأسيسية, رأي وخطأ وحوار وإصلاح, أما الانسحاب والمعارضة من أجل المعارضة جريمة في حق الوطن والثورة من هم غالبية هؤلاء المعارضين والمنسحبين؟! إنهم النخبة التي نصبها الإعلام برغم أنوفنا أوصياء علي ديننا ودستورنا وثقافتنا, إننا نحن غالبية الشعب المصري مسلمون, بسطاء, نعتز بديننا ونموت في سبيله, ونريد تطبيق شريعته بكل فخر ورضا ولا نخشي الحدود لأننا لسنا لصوصا ولا زناة ولا فاسدين, فلم الخوف إذن من الحدود ولو كانت أشد من هذا؟ ثم إن الحدود لا تقام إلا في أضيق الحدود ومن الممكن أن ترجأ مراعاة لظروف العصر وهي الحل النهائي بعد استنفاد كل سبل الإصلاح مع الفاسد, لماذا ندافع عن الفاسد ونؤمن له طريق الفساد, لماذا يكره هؤلاء شريعة الله وحكمه, العظيم في مقاصده, الراقي في مآلاته وإصلاحه, لماذا يصرون علي كلمة مباديء ويرفضون كلمة أحكام أو كلمة الشريعة برغم أنها الشريعة العصماء التي راعت حقوق الحجر والبيئة والحيوان والنبات, والجنين في بطن أمه, فضلا عن حقوق الإنسان وكرامته وحريته وآدميته, إن أريد إلا الإصلاح, ومتي استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا, وإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. إن الإصرار علي كلمة مباديء ورفض أحكام أو الشريعة يؤكد أن كلمة مباديء لا تعني الشريعة أو الأحكام وهذا مرادهم. إن الكثيرين من هؤلاء النخبة والمعارضين لايوقرون الدين, ولا يصلون ولا يتورعون في ارتكاب المنكرات, لا شك أن منهم صالحين ولكن أكثرهم يتاجرون بالوطن حتي صار أكثرهم من أصحاب الملايين والفيلات والشقق, وقد كانوا فقراء. إنهم لم يقدموا لمصر ما يؤهلهم لقيادتها فإن منهم من عاش حياته كلها خارج مصر لا يعرفون قرارها ونجوعها, ودروبها وفلاحيها وفقرائها, إن منهم من يدعي الزعامة والوطنية وتاريخهم ومواقفهم تؤكد علاقتهم بالطغاة مثل القذافي وصدام وغيرهما, كذلك إن منهم حسني النية لا يفهمون جوهر الإسلام وحقيقته لأنهم لم يكلفوا أنفسهم بالبحث وسؤال العلماء الحقيقيين عن حقيقة الإسلام وفقه الأولويات, ومصلحة الأمة التي تفرض علينا ضرورة التحرك للأمام ولو خطوة, أما هؤلاء فيصرون علي أن يجروننا إلي الخلف جرا لا لشيء إلا لأنهم ليسوا علي سدة الحكم, وهذا ديدنهم ومآربهم وطموحاتهم الوهمية وزعاماتهم الهلامية!! إن الفارق شاسع بين النخبة والصفوة, فالنخبة وهم صنعه الإعلام وجعل منه قلاعا من قش يتبارون ويتباهون في كل واد وقناة بمعارضاتهم والتي يزعمون أنها وطنية, وهم يدركون أنها تآمرية علي الدين والوطن والثورة! أما الصفوة فهم أهل الحكمة والجهاد والإصلاح والتقوي والعمل الدءوب لا يعرفون طريق الإعلام ولا تسعي الفضائيات إليهم, فإن كانت النخبة يتبارون في الشهرة, فإن أهل الصفوة يتوارون منها لأنهم يعملون لله, ولا يسعون إلي شهرة أو جاه, فلسان حالهم ونحن والوطن والمخلصون فيه يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. إذا كان من خيط رفيع قد بقي بيننا وبين النخبة والمعارضين, فإننا نقول لهم اتقوا الله في مصر, وارفعوا أيديكم عنها حتي تقف وتخطو خطوة إلي الأمام, إن الدستور ليس بقرآن فهو قابل للتغيير, وإن التاريخ لن يرحم, وإن غضبة الشعب إعصار هادر لن تبقي ولن تذر, وإن العقل الجمعي حكيم وبصير وذكي وقادر علي إدراك الغث من السمين, وأخيرا إن أدني محاولة للنيل من الدين والشريعة, تمثل قضية حياة أو موت, بل إنني أقول بكل ثقة إن هذه الثورة قامت بإعجاز وقدرة الله, وما كان الله ليساند هذه الثورة حتي نفرط أو نتخاذل نحن عن نصرة دينه وتحكيم شريعته, والإصرار علي ذلك بوضوح في الدستور, ولهذا وبكل يقين لن يكون ولن يتحقق إلا قول الله, فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. ويريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره صدق الله العظيم