قيل إن الأضداد في تماس, وفي عام1975 كان ثمة ضدان في تماس وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدةالأمريكية, وهما ضدان بحكم الصراع الايديولوجي القائم بينهما إذ إن الايديولوجيا الشيوعية لدي الأول والايديولوجيا الرأسمالية لدي الثاني, ومصر, أو بالأدق الرئيس السادات هو نقطة التماس إثر حرب أكتوبر .1973 والسؤال اذن: ماذا كان مصير نقطة التماس أو بالأدق ماذا فعل السادات بالضدين؟ في ديسمبر 1975 طار وفد من مجلة الطليعة برئاسة لطفي الخولي إلي موسكو. وقبل الطيران التقي السادات لطفي الخولي ليبلغه الغاية من ذهابنا إلي موسكو وهي إعادة العلاقة بين مصر وموسكو بعد أن أصبحت باردة بسبب طرد الخبراء السوفييت في عام 1972 وحضور كيسنجر وزير خارجية أمريكا إلي مصر في 6 نوفمبر .1973 وفي اللقاء أخبر لطفي الخولي السادات بأن من بين أعضاء الوفد صاحب هذا المقال بحكم أنه أمضي عاما في الاتحاد السوفيتي أستاذا زائرا بجامعة موسكو ومحاورا مع الفلاسفة والسياسيين السوفيت. وكان تعليق السادات أظن ما سمموا بدنه. وهنا لابد من إثارة السؤال الآتي: ماذا كان حال نقطة التماس قبل السفر إلي موسكو؟ من وظيفة نقطة التماس المحافظة علي التوازن بين الضدين, وكانت أمريكا في حالة وفاق مع الاتحاد السوفيتي أو بالأدق في حالة تعايش سلمي, ولهذا ارتأت المحافظة علي نقطة التماس. أما الاتحاد السوفيتي فقد ارتأي أن السادات يعبث بنقطة التماس إلي الحد الذي يريد فيه أن يتحرر منها. فقد قرر السادات تنويع مصادر السلاح كما قرر استبعاد السوفيت من المفاوضات التي يجريها كيسنجر معه. وقال بريجنيف السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفيتي أشعر بألم وضيق أن يتم الاتفاق مع اسرائيل عن طريق أمريكا وفي غياب الصديق الوفي روسيا. وقال جروميكو وزير الخارجية السوفيتي إن قطة سوداء مرت علي طريق علاقاتنا فأفسدتها. أما حافظ اسماعيل سفير مصر لدي الكرملين فقد تصور أن الرئيس السادات يناور للضغط علي السوفيت لإعادة العلاقات. والسؤال اذن: هل كان السفير المصري محقا في تصوره أم أنه كان واهما؟ جواب هذا السؤال كامن في اللقاءات التي تمت بين وفد الطليعة وكبار المسئولين في الدولة السوفيتية. وأهم ما جاء فيها ثلاثة تصريحات. تصريحان متماثلان لكل من رئيس تحرير جريدة ازفستيا وجريدة برافدا. فقد قال كل منهما إن مئات الآلاف من الرسائل وصلت إليه من الشعب السوفيتي تحض المسئولين علي قطع العلاقات ليس فقط عن شعب مصر بل أيضا عن شعوب العالم الثالث لأن هذه الشعوب تنهب الاتحاد السوفيتي ثم تلعنه, وبالتالي فان القادة السوفيت في أزمة. أما التصريح الثالث والأهم فقد جاء من مدير معهد افريقيا بالاييف. قال: إن السادات بعد طرده الخبراء السوفيت لن يحصل علي شيء من أمريكا علي المدي البعيد, وأن الاتحاد السوفيتي سينتظر, في إطار هذا المدي البعيد, ليري مدي صدق رؤيته, وكان هذا التصريح هو السبب المباشر في اقتناعي بأن العلاقات لن تعود, وأن هذا هو ما يريده السادات, ومن ثم ارتأيت أن السفير المصري حافظ اسماعيل واهم فيما تصور. وبعد عشرة أيام من اللقاءات المضنية التقينا السفير بناء علي طلبه للتحدث معه عما جري في هذه اللقاءات وعن تصورنا عن مدي امكان إعادة العلاقات. وكان رأي لطفي الخولي بتأييد من أعضاء الوفد بأن إعادة العلاقات قادمة وبلا تردد. أما أنا فكان رأيي أن العلاقات قد انتهت وبلا رجعة. وفي نهاية اللقاء وقف السفير بقامته الممشوقة وفي اعتزاز بالنفس. قال وهو يودعني: إذا صدق تحليلك فسأقدم استقالتي لأنني كنت مسئولا عن صفقة الأسلحة التي عقدناها مع تشيكوسلوفاكيا في أغسطس1955. وفي يناير1976 طلب من السادات اعفاءه من منصبه فوافق. والسؤال بعد ذلك: ما الذي حدث لنقطة التماس؟ تخلت عن مكانها فتواري أحد الضدين وهو الاتحاد السوفيتي حتي مات في عام .1991 وبموته مات العدو المشترك بين السادات وكيسنجر. المزيد من مقالات مراد وهبة