الفن الراقي هو أساس نهضة أي أمة, وهو غذاء الوجدان ولمسة الجمال ورافعة الارتقاء بالذوق والسلوك الإنساني العام, ولا توجد أمة من الأمم بلا فن هادف, ولا توجد نهضة في أي وطن لا يساندها ويدعمها الفن الجميل, وأعتقد أن الفن الراقي لا يخاصم الدين أبدا, بل يتكامل معه ليصنع الإنسان الصالح. لقد ساند الفن عموما, والغناء والسينما والمسرح خصوصا, حركة الضباط الأحرار في خمسينيات القرن الماضي, ومازلنا إلي الآن نستمع إلي الأغاني التي قدمها مشاهير المطربين, وعلي رأسهم عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعبد الوهاب ومحمد قنديل عن الثورة, ومازلنا نشاهد كذلك الأفلام التي كشفت ظلم الإقطاع والفساد السياسي قبل52 يناير, وهي الأعمال التي قدمت الحركة للناس ليلتفوا حولها, وساعدت في زيادة القبول والتفاعل الشعبي مع رجالها وأهدافها, والقضايا التي تصدت لها. كانت وسائل الإعلام, خاصة الصحافة والإذاعة, مجندة بشكل كبير للحديث عن الثورة والنظام الجديد, والإلحاح المستمر علي الجمهور في طرح أفكار الثوار, والدفاع الدائم عن قراراتهم, وتقديم شخصية القائد والزعيم الملهم, ونشط إلي جانب ذلك مئات من الكتاب والشعراء والملحنين والمغنين, وأيضا من رجال السينما والمسرح في دعم هذه المرحلة, وتسويق ما يفعله العسكر للناس حتي يقبلوا به, ونجح النظام في فرض رؤية واحدة أمام الجميع حتي وقعت هزيمة.67 بعد منتصف السبعينيات ظهرت موجة من الفن التجاري الهابط, مع بداية مرحلة الانفتاح الاستهلاكي عقب حرب أكتوبر, وسادت موجة من أفلام المقاولات التي انحدرت إلي الفساد الأخلاقي والسلوكي والقيمي, واستمرت للأسف هذه الموجة الفاسدة مع استمرار النظام الاستبدادي البائد, وأصبحت معظم أفلام السينما تحديدا صورة قبيحة للمجتمع المصري, وكأنه أصبح مجتمعا من السفلة والشياطين واللصوص, وتوجهت هذه الأفلام إلي شريحة جديدة بدأت تنمو مع عصر الفساد. مصر الآن بعد ثورة الحرية والكرامة والعدالة.. ثورة25 يناير الرائعة, في حاجة إلي دور جديد يقدمه أهل الفن الراقي.. فن جديد يهذب النفوس والضمائر, ويقوي الهمم والعزائم, ويقدم النماذج الشريفة الموجودة في المجتمع وهي كثيرة جدا, ويطرح الجوانب العملية المفيدة أمام الناس, ويزيد من روح حب العمل والإيجابية والاجتهاد والصبر, ويحارب الغش والتسلق والأنانية والفساد, ويدعو إلي الالتفاف حول المشروع الوطني لنهضة مصر, ويقود المجتمع كله إلي الأمام. هذا الدور الراقي للفن سوف يسعد عشرات الملايين من أبناء الشعب المصري, بل والعربي والمسلم, الذين يبحثون عن الفن الهادف, ويتمنون لو أتيح لهم أن يستمتعوا بمشاهدة والاستماع إلي فن يحترم عقلية وقيم الإنسان, ويقدم له في الوقت نفسه الفن الجميل, الذي يخلو من الكلمات المسفة, والحركات الخادشة للحياء, والنكات الهابطة البذيئة, ويقدم في الوقت ذاته فكرا ورؤية, في إطار فني جميل ومشوق, نحن بحاجة إلي فن يمنح مشاهديه المتعة( السمعية والبصرية والذوقية)., لا شك في أن هذه الملايين سوف تدعم هذا النوع من الفن المحترم ماديا ومعنويا, وسوف تنتعش الحركة الفنية بشكل كبير, وتنجح في تعويض أي خسائر يمكن أن تواجه العاملين فيها في المرحلة الأولي, وفي نفس الوقت سوف تختفي هذه الأفلام والأغاني والمسرحيات الهابطة, التي آلمت شرفاء الوطن كثيرا. هذه إذن دعوة صادقة ورجاء حار من مواطن مصري للمبدعين من الكتاب والشعراء والأدباء وكتاب الدراما التليفزيونية والملحنين والمطربين وصناع السينما والمسرح وأهل الفن عموما في مصر إلي الإبداع الإيجابي الراقي, والمشاركة بقوة في دفع الوطن إلي الأمام, والمساهمة في صنع النهضة التي نحلم بها. المزيد من مقالات بدر محمد بدر