بعد الثورات التي شهدها العالم منذ1989 يمكن رصد التغير في مفهوم الثورة ذاته: فقد اتسمت الثورات قبل ذلك بعدة سمات ابرزها: اتسامها بالعنف( كما حدث في الثورة الفرنسية مثلا). ووجود قيادة واضحة, وبرنامج محدد, وتنظيم معروف, وتقوم بها اقلية, والسعي لتغيير الانظمة الحاكمة من ملكية إلي جمهورية, وأخيرها, فهي عمل حاسم, بمعني تخرج الحاكم من موقعه للابد. بينما الثورات منذ1989 اتسمت بعدة خصائص مختلفة عن تلك الخصائص السابقة, اهمها: أولها, عدم ميلها لاستخدام العنف, ورفعها شعار سلمية سلمية في مواجهة العنف المفرط من جانب الانظمة التسلطية الهجينة الحكامة, بأجهزتها الأمنية القمعية, عدم وجود تنظيم معروف لها, وثالثها, عدم وجود قيادة لتلك الثورات, ورابعها, عدم وجود برنامج محدد لها سلفا, بخلاف رحيل النظام الحاكم, وخامسها, التعبئة الجماهيرية العاتية, فقد شهدت خروج الألاف من الجماهير المؤيدة لتلك الثورات في مواجهة انظمتها الحاكمة. وسادسها, احترام التقاليد الجمهورية, وعدم الحديث عن التحول للملكية, وإن وجد حديث من هذا القبيل يكون علي استحياء. وسابعها, تتم في شكل موجهات, لتصل الي تحقيق اهدافها في النهاية. وفيما يتعلق بالثورات العربية ليست استثناء من التحول في مفهوم الثورة ذاته, فقد شهدت ثلاث دول في المغرب العربي ثورات: تونس, ومصر, وليبيا, وكذلك شهدت ثلاث دول في المشرق العربي ثورات: اليمن وسوريا والبحرين. ويمكن الحديث عن اختلافات وتشابهات بها ثورات المغرب العربي في مواجهة ثورات المشرق العربي, أولها, انطلاق الثورات من المغرب العربي, وتحديدا من تونس, تلتها مصر, ثم ليبيا. ويعني ذلك ان الثورات في المشرق العربي قد تلت تلك الثورات في المغرب, وتأثرت بها تحت تأثير العدوي الثورية. وثانيها, التعبئة الجماهيرية الواسعة في دول المغرب مقارنة بدول المشرق, وان كان مرد ذلك إلي الاختلاف بين عدد السكان في كل دولة من دول الثورات. وثالثها, سرعة الحسم نسبيا في المغرب مقارنة بما حدث في المشرق, ففيما عدا اليمن( وان تمت معالجتها بشكل اتفاقي بين قوي المعارضة والنظام الحاكم وتحت اشراف اقليمي ودولي) مازالت الثورات لم تؤت ثمارها في المشرق العربي. ورابعها, ارتفاع استخدام العنف المصاحب للثورات في دول الثورات في المشرق العربي اكثر من دول الثورات في المغرب العربي. فعلي سبيل المثال سوريا الي الآن مازالت لعهد الدم سائلة, ولم تحسم لحظة التحول بعد الا انها بالتأكيد مقدمات لهعد جديد ينعم فيه السوريون برخاء ومساواة. وخامسها, عدم استفادة الثورات في المشرق العربي من وضع اجندة محددة لها للتغيير فيما بعد انهيار النظام الحاكم في تلك الدول, أو بمعني آخر, فيما بعد رحيل رأس النظام. من أجل اتباع خطوات سريعة في التغيير والتحول الديمقراطي. وسادسها, ارتفاع نسبة التدخل الدولي والاقليمي في مسار الثورات في المشرق عن المغرب ما عدا ليبيا. بمعني اخر ان الحسم في المغرب العربي في تونس ومصر جاء من الداخل وبايدي المواطنين, بينما في المغرب مثلا في اليمن حسمت الثورة من خارج اليمن بفعل القوي الاقليمية والدولية, والبحرين مازالت تشهد تفاعلات لتلك القوي. وقد كان العنصر الحاسم في الثورات العربية ضغط الانظمة الحاكمة علي كرامة المواطنين; مما أسهم في تفجر الموقف وعدم القدرة علي تداركه. ومن ثم اعادت الثورات العربية القيمة للمواطن لدي ذاته اولا, ولدي صناع القرار ثانيا. واثبتت أن العالم العربي ليس استثناء الاستثناء العربي من التحولات الديمقراطية في العالم, والتي قامت بفعل الثورات الديمقراطية.