قبل عام وتحديدا في الثامن من شهر أكتوبر, كان هناك يوم حزين, وصفته الميديا التركية آنذاك, بأنه الأصعب في حياة رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان, ففيه انفصل اردوغان عن روتينه اليومي, متفرغا لمصابه الخاص برحيل أمه السيدة تنزيلا, وفي أثناء الصلاة علي جثمانها بجامع فاتح بإسطنبول أجهش الرجل باكيا, في مشهد حزين, كان هو عنوان الميديا المرئية والمقروءة علي السواء, وبجواره وقف صديقه ورفيقه في تأسيس حزب العدالة الحاكم الرئيس عبد الله جول. وانهالت برقيات العزاء من الخارج لم تستثن الاصدقاء والاعداء, وفي الداخل لم يكن هناك مؤيد ومعارض فكلاهما شد علي يد المسئول علي ادارة السلطة التنفيذية بالبلاد مؤازرا. ومضت الشهور, ودون سابق إنذار هبت علي أروقة السياسة عاصفة غضب ممزوجة بالدهشة وعلامات الاستفهام, إذ لم يكن هناك ترتيب أو تمهيد, فعلي حين غرة, استقيظ سكان حي إريتش بمدينة فان الحدودية مع إيران في أقصي الجنوب الشرقي من الاناضول, علي حالة استنفار مصحوبة بهرولة لعدد من المسئولين وقد وقفوا أمام احدي المدارس الابتدائية يشرفون علي تدشين أسم جديد علي احدي المدارس, بدلا من إسمها الذي عرفت به, وبمناسبة مرور عام علي وفاة والدة اردوغان فقد تقرر إطلاق اسم السيدة تنزيلا علي المدرسة بمرحلتيها الاولية والاعدادية, وكان يمكن للحدث, حتي وان توقف عنده البعض ان يمر مرور الكرام, لكن المعضلة التي طفت علي السطح تجسدت ليس في المستحدث وإنما في اللقب الذي حل محله ألا وهو أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة. هنا تعالت صيحات الاستنكار, ومعها تندرت أركان المجتمع من هذا السيل المنهمر من السوابق خلال السنوات القليلة الأخيرة, والتي لم تحدث طوال الثمانية عقود السابقة لها, وكلها من اختراع حزب العدالة والتنمية, أما حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه اتاتورك فقد أفزعه الحاصل, فكيف يزال' أبو الاتراك' بتلك البساطة ؟ ثم ما هو المبرر ؟وكان طبيعيا أن تتباري التحليلات والتأويلات, لا من أجل التفسير, بل لإثارة المزيد من الهواجس والمخاوف علي مصير العباد والبلاد, فعلي سبيل المثال بدا من رصد ردود فعل الكماليين أن هناك ما يشبه الإجماع علي أن واقعة' مدرسة فان' ليست صدفة, وإنما هي محطة في مسيرة هدفها النهائي, محو أسم اتاتورك من خارطة الجمهورية التركية, بيد أنها راحت تعيد شريطا من الخطوات الدوؤبة الساعية إلي طمس صورة المؤسس, كانت بدايتها أوراق العملة فبعد ان كان الأخير يتسيدها علي الوجهين راحت حكومة العدالة, تزج بشخصيات كي تشارك اتاتورك أحد وجهي الورقة المالية بكل فئاتها, ولا بأس إذ ناصبت العداء لافكار مصطفي كمال. ولأنها الأخطر والأكثر تأثيرا إتجهت الايدي إلي مناهج تعليم الصغار. المثير أيضا أن عملية التبديل هذه تواكبت مع الذكري الأولي للزلزال الذي ضرب المدينة مخلفا مئات القتلي وانهيار عشرات المنازل وهو حادث لم تكن الحكومة, علي الاقل مع ارهاصاته الاولي, عند مستوي الكارثة إذ جاء أداؤها بطئيا ضعيفا وهو ما زاد من عمق المأساة فعلام يتم تكريم والدة زعيمها. الغريب أن اطلاق اسم السيدة تنزيلا هانم رحمة الله عليها, تزامن مع جدل لم يزل يعتمل حول موعد الانتخابات المحلية, والتي تم تبكيرها ستة أشهر من السابع والعشرين من شهر مارس2014 إلي السابع والعشرين من أكتوبر العام المقبل, أي في ذروة احتفال تركيا بعيد الجمهورية, وهو امر آخر يدلل, وفقا لما ذهب اليه المعارضون, علي إصرار العدالة الحاكم علي المضي قدما في تقليل الزخم الذي يصاحب عادة تلك المناسبة الأهم لدي الشعب التركي.