إنه شوقي الماجري المخرج التونسي الذي تسبقه أعماله, ولمن لا يعرفه هو مخرج لأعمال تعد علامات في الدراما العربية مثل' أسمهان-هدوء نسبي-الأمين والمامون' وآخر روائعه السينمائية فيلم' مملكة النمل' الذي يعرض تجاريا الآن في سينمات بيروتوتونس والخليج وكعادة' الماجري' يناقش فيه مالم يقترب منه مخرج آخر عبر قصة تحكي أين يدفن الفلسطنيون جثث موتاهم, حيث يمنعهم الاحتلال الاسرائيلي من دفنها خوفا من رجوع الاهل اليها لزيارتها ولذا كان هذا الحوار... قلت له أن فلسطين والعراق وغيرها من قضايا التاريخ والحاضر نالت من اهتمامك الكثير في حين غابت تونس وحكاياتها؟؟ - المشكلة في تونس أنه ليس لدينا سوق إنتاجية كبيرة تستوعب طاقاتنا وأفكارنا, بل لا تزال السوق بكراعلي مستوي الفضائيات والشركات الإنتاجية, ولكنك تستطيع أن تجد تونس داخل أعمالي, فمملكة النمل- فيلمي الأخير- تم تصويره بتونس وفي عدد من أعمالي قمت بالتصوير في أماكن مهمة في تونس, وأنا أدين لهذا البلد بانه أمدني بالرؤية والبصيرة الفنية,وللعلم فأنا في طور الكتابة لعمل فني كبيرعن تونس أرجع بها ومعها الي القرن التاسع عشر وقريبا سوف أكشف التفاصيل. من زياراتي لتونس لمست أن هناك مواهب إخراجية شابة نالت جوائز من مهرجانات عالمية.. مالذي تحتاجه ليكتمل نموها ؟ - نحن مثل أغلب الدول العربية هناك أزمة في الامكانات,حكوماتنا لا تعطي ميزات خاصة للثقافة والفن,وأغلب أفلام تونس تلقي دعما قليلا من الوزارة, ولا ينبغي أن تعامل حكوماتنا العربية الثقافة والفن علي أنهما من الكماليات,وهاهي الحكومات قد دفعت الثمن بأحداث الفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام, فلو أن هناك إنتاج عربيا قويا وموحدا لما أقدم أحد علي الاقتراب من رسولنا ورموزنا. إذن ألا تتفق معي في أننا نبالغ حينما نطالب الفنان بدور تجاه الأحداث العربية المتفجرة, وأغلب الفنانين لا يملكون ضرا ولا نفعا ولم تتقدم أعمالهم في طليعة ثوراتنا كما ينبغي أن يكون؟؟ - دعني اقولها لك بصراحة ووضوح لابد لنا كعرب أن ننتج أعمالا تليق بالذوق العربي العام وتراعي تاريخه وحاضره ومستقبله وأن نتعلم من الثورات ذلك الدرس, واذا لم تكن هناك محاولات فنية قوية وسريعة فإننا لن نستطيع أن نؤثر في العالم ولا حني في عالمنا, بإمكان الفن أن يساعد ويمهد الخطوات لإحداث نجاحات سياسية واجتماعية كبري شريطة أن تدرك الحكومات ذلك الأمر,وليست الحكومات فقط بل أيضا الشركات الإنتاجية الكبري والفضائيات العربية ذات الثقل, فليس من مصلحة الأنظمة ولا من مصلحة الثورات أن تكف عن مد الأيدي لكل صاحب رسالة فنية, فلن نستطيع مخاطبة العالم إلا من خلال أعمال فنية تخترق عقله وقلبه ووجدانه. المشكلة فيما مضي أن مفهوم السوق كان قائما علي ثنائية الربح والخسارة وهي ثنائية وإن كانت مطلوبة فقد عابها أنها لم تحقق تواجدا ولا تاريخا ولا تأثيرا للأعمال ذاتها في المتلقي العربي, وبدا لنا أن الفنان اهتم بحسابات الشكل والمادة وتغافل كليا دوره كمؤثر وصانع للثورات, وبعد أن قامت الثورات تذكر الثائرون ومنهم الفنانون أنهم لم يقدموا لمجتمعاتهم ماكان ينبغي تقديمه, ولكن ذلك لا يجعلنا نغفل عن أعمال أخري ناجحة حققت تأثيرا محليا وعربيا وعالميا. أيضا أكرر: أنت لم تقترب فنيا بعد من الثورة التونسية وتداعياتها ؟؟ - ليس الآن,فالفنان الجاد يحتاج بعض الوقت,هناك مخرجون قاموا بأعمال توثيقية وهذا جميل, ولكني لست مع رد الفعل الساخن,لأن الفن ليس مقالا صحفيا إنما يحتاج دائما إلي نوع من الاستبطان والاستكشاف للأبعاد الأخري حتي يخرج الموضوع بشكل فني حساس وناجح, ثم إن الثورة مازالت في بداياتها ولا يزال الطريق طويلا أمامنا. تأتي فلسطين علي أول أجندتك الدرامية, وفي تقديري أن القضية أصبحت بالنسبة لنا مسلسلا وفيلما وقصيدة ورواية, حتي إن العربي أصبح ينتظر عملا فنيا بمشاهد مؤثرة وليس حلا نهائيا لشعب معذب؟ - لا تطلب من الفن أن يحل لك قضيتك,هو يمثل نوعا من الحالات غير العامة ثم إن الموضوع الفلسطيني جزء مني كفنان وليس كسياسي,وإذا نظرت إلي الأعمال الدرامية حول القضية ستجدها نادرة وقليلة ولكن المشكلة سياسية حيث يتضح أن هناك انحرافا في مسار القضية بحيث أصبحت' فلسطينية- فلسطينية' وكأن المفاوضات التي بلاسقف زمني أصبحت هدفا في حد ذاتها,وهذه خطورة شديدة فنيا, القضية الفلسطينية في أعمالي فكرية جمالية تحمل الرسالة وتصل بالمعني المقصود دون مواربة السياسيين ومراوغاتهم. المشاهد لأعمالك يلتقط سريعا تلك الحرفية العالية في التعامل مع تفاصيل المشهد وقد أدرك النقاد ذلك,وبدا أن المشاهد العادي يدرك أيضا تلك الحساسية وهي معادلة صعبة لا تتوافر لدي الجميع.. كيف تصنع ذلك ؟؟ هناك مدخلان للمخرج في خطواته نحو عمله, الأول: وهو المخرج الصنايعي الذي يمتلك أدواته, وغالبا معظم المخرجين هكذا, أما الثاني: وهو طريقتي و مدخلي لأعمالي هو عالمي الخاص الذي أتحرك فيه حتي إن كثيرا من الناس يرون مشهدا فيقولون إنه لشوقي الماجري, وأنا بالأساس لست منفذا لنصوص وحوارات, إنما هناك عالم كامل من التفاصيل ينبغي استخدامه جيدا,وقد تربيت في هذه المدرسة حينما كنت أدرس السينما في بولندا,وأنجزت فيلما قصيرا للتخرج كان لافتا لأساتذتي أن تكون نصائحهم وتقديراتهم مبنية علي قدرتي في التركيز علي التفاصيل وأستعمال كل الأدوات. اذن ماالذي تفعلة لممثليك وفنانينك حتي يخرجوا بهذه الصورة ؟ -كما قلت لك إن الدراماعندي ليست نصا وممثلا وحوارا,الدراما عندي كل العناصر برؤية معينة ومعبرة,وعلاقاتي بالممثلين تبدأ من قراءة أعمالهم جيدا قبل اختيارهم, وبطبيعة الحال أكون حريصا علي استخراج ما بداخلهم,وخلق علاقه خاصة معهم,والفنان العربي يحتاج إلي مهارات اتصال خاصة تحكم علاقتة بالمخرج في إطار محترم ومليء بالثقة. هل هكذا معايير تم تطبيقها لاختيارك بطل نابليون الفرنسيجريجوار كولين بطلا لعملك الأخير,ومالذي تقوله لمن قاموا بالمقارنة بين بطلي نابليون والفاروق عمر؟ - أنا لم أر' عمر' للأسف,ولا أستطيع الحكم عليه,ورؤيتي للأعمال التاريخية تجعلني أدفع بالممثل تجاه الشخصية بلحم ودم,وكأن الممثل ودوره ابن اليوم,وليس خارجا من متحف الشمع, وعليك أن تسعي دائما لأن تنتصر الشخصية بحضورها الحالي والطاغي,وأعتقد أن كل من رأي نابليون شعر أنه ابن اليوم وليس فقط قادما من القرون الماضية. مملكة النمل هو الفيلم السينمائي الأول لك,وعادة ما يقبل المخرج أعمالا درامية بعد سطوع نجمه سينمائيا,أنت قلبت المعادلة.. كيف؟ أنا دارس للسينما وفنونها,وكانت أعمالي الأولي عبارة عن أفلام روائية قصيرة وحينما تحركت من تونس تجاة سوريا ولبنان ومصر,وجدت أن الأغلب الأعم هو الدراما وتنقصها تلك الحرفية السينمائية فبادرت دون خطط مسبقة إلي العمل دون النظر إلي طبيعته' دراما أو سينما' فالأدوات في الحالتين واحدة. كيف تري ذلك التشابه في الأدوات؟ تربيت في مدرسة تؤمن ايمانا قاطعا بقيمة التفاصيل مثل:الإضاءة والديكور والأزياء والموسيقي ثم الممثل والكاميرا,إصنع عالمك من هذه التشكيلة الكاملة وانطلق نحو هدفك بوضوح وثبات واستغل كل أدواتك, ومؤكد سوف تصل إلي النتيجة التي تسعي اليها. الذين عملوا معك لم يذكروا أبدا أنك تثير ضجة,أو تفرض سيطرةعلي اللوكيشن, بل قالو إنك هادئ زيادة عن اللازم, بأي لغة تتعامل معهم؟ حتي عندما تصبح الملاحظة ضرورة فإني أقولها للممثل في أذنه,دون أن يسمع من يجاوره, أنا لا أتعصب إطلاقا حيث لا مجال لأن تاخذ العصبية من طاقتي ولا من حيز تفكيري وقت التصوير,أحتاج لكل خلية تتحرك داخل جسمي. أخيرا:لم تقل لي مالذي يجعلك مخرجا مميزا ؟ حينما أنتهي من عملي أصبح مريضا ومرهقا لشهور طويلة وكأن العمل أخذ مني طاقتي وسريان روحي ومجري دمي,أعتقد أن هذا السبب يكفي للتميز.