لم تكد تنتهي انتخابات الرئاسة الإيرانية السابقة عام2009 والتي فاز فيها أحمدي نجاد بفترة ثانية, حتي بدأت التكهنات والاستعدادات للانتخابات المقبلة في يونيو2013 ووفقا للدستور الإيراني لايحق لنجاد الترشح لفترة ثالثة, كما أن المرشح للرئاسة في إيران كي يتمكن من الفوز يجب أن يكون مدعوما من المرشد الأعلي للثورة آية الله علي أحمد خامنئي كما كان الوضع مع الرئيس الحالي في الفترتين اللتين فاز فيهما. ولكن منذ انتهاء الانتخابات السابقة وحتي الآن جري الكثير من المياه في نهر السياسة الداخلية الإيرانية غيرت قراءة مفاتيح خريطة مستقبل الانتخابات الرئاسية المقبلة, مما زاد الأمر تعقيدا في المشهد السياسي الإيراني الذي يعج بالتيارات الاصولية المتشددة والأصولية المحافظة والإصلاحية المعتدلة والإصلاحية, بالإضافة إلي تركيبة نظام الحكم الذي يتكون من سبع مؤسسات علي رأسها المرشد الأعلي للثورة الإسلامية الذي تناط به مسئولية الاشراف علي السياسات العامة والخارجية, كما يتولي قيادة القوات المسلحة والاستخبارات وينتخب من قبل مجلس خبراء القيادة( هذا المجلس ينتخب من قبل الشعب), يليه رئيس الجمهورية الذي ينتخب بالاقتراع الشعبي المباشر ويترأس مجلس الوزراء ويشكل الحكومة. وفي قراءة سريعة لنتائج الانتخابات البرلمانية التي اعلنت نتائجها النهائية في شهر مايو الماضي, والتي غالبا ما تقدم مؤشرات عن سير الانتخابات الرئاسية, نجد أن الموالين للمرشد الأعلي سيطروا علي70% من مقاعد البرلمان الأمر الذي ترك نجاد مغلول اليدين في إدارة أمور البلاد وسط هذه المنافسة بين الفصائل المحافظة, وهو عكس ما حدث تماما في انتخابات2008 حين خاض مؤيدو نجاد وخامنئي الانتخابات كجبهة موحدة, ولكن الخلاف الذي ثار منذ عدة أشهر بين خامنئي ونجاد حول تعيين وزير الاستخبارات وتحدي الأخير للمرشد الأعلي بمقاطعة اجتماعات مجلس الوزراء لمدة11 يوما ادت إلي انقسام الجبهة المؤيدة لنجاد. بينما قاطع الانتخابات البرلمانية أغلب الاصلاحيين لوجود عدد كبير من زعمائهم في المعتقل ووضع مهدي كروبي ومير حسين موسوي المرشحين في الانتخابات الرئاسية السابقة قيد الاقامة الجبرية علي خلفية أحداث انتخابات2009 حين نظمت المعارضة احتجاجات واسعة علي نتائج الانتخابات التي اعلنت ثاني يوم الاقتراع فوز نجاد ب62% من الأصوات وموسوي ب34% وهي النتيجة التي شككت فيها المعارضة وعدد من الدول الغربية. وإذا استخدمنا الانتخابات البرلمانية كمؤشر سنجد أنها تعزز فرص معسكر خامنئي في الانتخابات الرئاسية المقبلة, وتسلط الأضواء بشكل خاص علي غلام علي حداد عادل الذي فاز بأعلي عدد من الأصوات في العاصمة طهران وهو صهر المرشد الأعلي, بالإضافة إلي علي لاريجاني رئيس البرلمان ومحمد باغر قليباف عمدة طهران. أما بالنسبة لمعسكر نجاد فسنجد أن هذه النتيجة تشكل صعوبة شديدة في قدرة نجاد علي إيجاد كتلة تساند أي مرشح من جانبه واقوي هؤلاء المرشحين اصفنديار رحيم مشائي مدير مكتب الرئيس وصهر نجاد بالإضافة إلي موجتابا سماري هاشمي مستشار الرئيس الخاص. أما في معسكر الإصلاحيين فيتردد اسم حسن خوميني حفيد زعيم الثورة آية الله روح الله خوميني وهو لا يحظي برضي المرشد الأعلي ومن المتوقع ان يتم استبعاد اسمه من قائمة المرشحين قبل الانتخابات, بالاضافة إلي محمد رضا عارف نائب الرئيس في الفترة التي تولي فيها خاتمي الذي ينتمي إلي الإصلاحيين المعتدلين رئاسة البلاد. وهناك معسكر قوي من المؤيدين لخامنئي يطلقون الآن علي نجاد وانصاره تيار الانحراف ويؤكدون أنهم سيمنعون أنصاره من الترشح في الانتخابات المقبلة. وفي ذلك إشارة واضحة إلي مجلس الرقابة الدستورية الذي يرأسه العالم المتشدد آية الله أحمد جنتي والذي لا يمكن لأي مرشح خوض الانتخابات دون العبور من نافذة هذا المجلس الذي يبحث ماضي المرشحين منذ ولادتهم وحتي ترشحهم مرورا بالمواقف التي اتخذوها في حياتهم ولا يعلن أسماء المرشحين إلا قبل الانتخابات بفترة محدودة. كما يبرز من بين معسكر المعتدلين اسم وزير الخارجية الحالي علي أكبر صالحي كأحد أقوي المرشحين المحتملين. وبعد موقف نجاد المعارض للمرشد الأعلي والتخوف من الإصلاحيين بدأت تدور شائعات حول أن خامنئي يفكر في إجراء تعديل دستوري لاستبدال منصب الرئيس واسع الصلاحيات نسبيا بمنصب رئيس الوزراء الأقل نفوذا والعودة إلي دستور الجمهورية منذ نجاح الثورة عام1979 واستمر حتي تعديل1989 والذي نص علي انتخاب رئيس للجمهورية وتؤكد بعض المصادر المقربة لخامنئي بالبرلمان ان هناك لجنة سرية تم تشكيلها بالفعل من أجل هذا الغرض. وفي كل الأحوال إذا أجريت الانتخابات كما هو مقرر سلفا في شهر يونيو المقبل فان نتيجتها ستكون في الغالب رسالة واضحة أنه لم يبق في الساحة السياسية الإيرانية سوي الولاء الكامل للمرشد الأعلي. وتكتمل الصورة التي بدأت ترسم ملامحها الآن وهي أن السياسة الإيرانية أصبحت في قبضة توءمي السلطة المتمثلين في: رجال الدين وحراس الثورة من العسكريين.