لستِ أنتِ التى أعرفها .. تراكمت الأحلام معك , إندثرت خيوط اليأس منذ أن إلتقيت بك هناك عند شجرة الأمل والرجاء. كان ميلادى يوم أن لمحتك وأنا فى بطن أمى .. استنشق عبير روحك وشجنك .. آناتك وضحكاتك .. أبحث فيك وعنك فى كل أجوائى فألقى فوق أنفاسى عينيك , وهى تحفظ حروفى المتلعثمة حتى تكتمل .. أسمع رقرقة الماء المنساب من بين يديك ليرتوى بها ظمأ القلب قبل أن ينبض نبضته الأخيرة فيعود للحياة من جديد . معك كنت أبحث عن نظرة واحدة لتكفينى عن باقى الكون ومن فوقه , إلا من خالقه ..أبعث فى نفسى خيوط الأمل قبل أن تلتف حول عنقى عناقيد الغضب من يومى وأمسى ..أمسك بتلابيب الفضيلة قبل أن أقع فى سراديب الرذيلة .. أبكى من جوعة عصفور , وأنين ورقة شجر , جفت من شربة ماء . لستِ أنتِ التى أعرفها .. ضاقت شرايين الود بين يديك .. تجلطت دماء الحياة فى داخلك .. توقفت أنهار المشاعرعن سريانك , وعندك باتت الرومانسية وهماً , والطيبة خداعاً , وحُرمة الوعد والعهد ذلاً وهواناً . تحولت الكلمة إلى حروف غير مرئية , وإن ظهرت فهى لا تعيش إلا فى ظلمات الكذب والخداع .. وهى جاهزة لمن يشتريها , وما أكثر من أصبح قادراً على الشراء .. فالكلمة لم تعد شرفاً , والأمانة لم تبقى عُرفاً , والصدق بات من مواريث الماضى السحيق ,وعبثاً يسخر منه مخادعو تلك الأيام . لستِ أنتِ التى أعرفها .. منكِ تعلمت كل "الأسماء" , وحفظت مواثيق الشرف, ورسمت خطوط الإبداع , وسمعت أصداء الألحان .. وقفت أشدو قصائد العشق والهوى , وأنزع من بين ضلوعى يأس الغد وإحباط الأيام . كنت منطلقاً , هائماً.. يخرج من بين فاهى زقزقة أحاسيس الأطفال .. ابحث عن نفسى بين سماع آذان , وزيارة ولى , وصلاة فجر, وصوت عندليب , يدق فوق رأسى بقطرات ندى , وعسل يكشط بها آثار كدح وضيق عيش . منك ومعك تعلمت الصبر على نفسى ومن نفسى .. حفرت بيدك خطوط التضحية فى النفوس .. ورفعت بها دموع الألم وسيطرة اليأس وقت الشدائد . لستِ أنتِ التى أعرفها .. أنظر إلى نيل ماؤك فأراه قد تعكر, وإلى شاطئ بحرك , فأسمعه مضطرباً هائجاً , أنتظر طلتك البهية فلاأجد سوى وجهاً غائباً عن " مصر " تلك التى كنت أعرفها !!