إن الحكم في حاجة إلي الخبرة والتجربة.. ولكنه في حاجة أيضا إلي دم الشباب. فإن الإدارة الحكومية في كل الدنيا في حاجة دائمة لمن يجدد شبابها, وليس من السهل علي الشيوخ أن يجددوا, وأن يبتكروا, فالرجل بعد سن الستين يصاب بمرض الحرص. إنه يخاف من التجديد و التبديل كما يخاف من الهواء.. لأنه يصاب عادة بالزكام, والمطلوب حكام لا يخافون من الزكام ولا تيارات الهواء. لما ألف ونستون تشرشل وزارته عام1940, أدخل فيها كل زعماء الأحزاب ورجال الصف الأول.. ولكنه لم ينس الشبان! لقد أسند إلي عدد كبير منهم مناصب سكرتارية برلمانيين ووكلاء برلمانيين.. كان أحدهم إدوارد هيث الذي أصبح بعد ثلاثين سنة رئيسا للوزراء, وهارولد ويلسون الذي تولي رئاسة الوزارة عدة مرات, وجورج براون الذي أصبح وزيرا للخارجية والإقتصاد وعشرات غيرهم. إن سيارة الحكم في حاجة إلي ماكينة جديدة غير الماكينة التي شاخت وغطاها الصدأ! فالشعب المصري لايريد اليوم أسماء ضخمة.. وإنما يريد عقولا متجددة, فلقد ضاق بالأسلوب القديم, ويريد أسلوبا حديثا.. وهو قادر علي أن يفرض هذا الأسلوب. وليس معني هذا أن نطالب بوضع الكهول علي الرف, فإن لبعضهم تجارب وخبرات يجب الإستفادة منها. ولكن الخبرة وحدها لا تكفي.. إنها فرامل سيارة الحكم! والسيارة في حاجة إلي بنزين.. والشباب هو بنزين الحكم! إن مهمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء أن يتطلعا للغد, ويعدا الرجال الذين يستطيعون حكم بلادهم من بعدهم. فقد انتهي عصر الإقطاع السياسي, وبدأ عصر إقطاع العلم و الفكر! ولكن الزعماء في بلادنا لايفكرون في الغد! إنهم يركزون في جهودهم علي اليوم لأنهم لا يثقون في الغد! ولذلك تهتز الزعامات في بلادنا! لأن الحظ هو الذي يبني الزعامات عندنا.. والجهد هو الذي يبنيها في بلاد أخري! [email protected] المزيد من أعمدة محمود المناوى