اسمحوا لى أن أنعت نفسي ومثقفي مصر و الوطن العربي بالسذج ، لأننا اعتقدنا أن التيار الاسلامى سوف يضع يده ويحكم قبضته على الثقافة والفن والأدب من خلال الرقابة فقط، وربما يتطرق الأمر – كما اعتقدنا بسذاجتنا – الى قص وتعديل وتشويه نصوص ، ولم يخطر ببالنا أن الأمر سيصل الى جرأة التعدي ومحاولة القضاء على منافذ ومنابع بيع الأدب من مراجع أدبية وكتب وموسوعات تاريخية ، وأعمال لكبار العلماء والأدباء التاريخ العربي فى شارع النبي دانيال بالإسكندرية ، السوق الذي يوازى سوق الأزبكية ، بل ويفوقه فى قيمه ما يطرحه من كتب وموسوعات ومراجع للجبتى والبحترى والمتنبى وكافة علماء المسلمين ، وكان الهجوم على شارع بيع الكتب هو أول قرار يتخذه المحافظ الاسلامى الجديد محمد عطا عباس بحجة أن وضع الباعة مخالف ، أليس من الأجدى أن ينظر الى مخالفات المباني التى تنهار شهريا فى أنحاء الإسكندرية على رؤس الناس ، دون نجاه أحد منهم ، ولكن يبدو أن اسم الشارع قد استقطب " عقول المسئولين الإسلاميين " فنبي الله دانيال كان من أنبياء بني إسرائيل وكان ممن تم أسرهم و نقلهم إلى العراق من بيت المقدس ،ويقال أن الفرس كانوا يبقون على جسده بعد مماته لأنهم كلما اخرجوا جسده للعراء تمطر السماء ، كما يشاع أيضا أنه أثناء محاولات تعذيبه كان يدخلون عليه أسدين فى حفره ليأكلانه ،ويشاهدون ذلك للتسلية ، ولكنهم فوجئوا بأن الأسدين يتمسحان به ، ورغم محاولاتهم فى تكرار الكرة بعد تجويع الأسدين إلا أنهما ظل على موقفهما فلم يتجرءا لافتراسه فعلموا ان هذا الرجل مقدس وانه نبي و أكرموه و قدسوه، قام دانيال بعمل خاتم مرسوم عليه صورة رجل وأسدين يقفان على أكتافه شكرا لله إن نجاه من هذه الأزمة ، وتم اكتشاف جسد دانيال في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وقام بدفن دانيال الصحابي المسلم أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، و أمر بقتل هؤلاء الفرس حتى لا يعلم الناس مكان قبر دانيال فيخرجوه استجداء للمطر مرة أخرى ، ويبدو أن هذا السبب هو أساس وضعه بالإسكندرية بلد المطر والنوات ، رغم أنه لا صلة له بأرض الإسكندرية ،و رغم أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم بشر لمن يكتشف جسد دانيال بالجنة ، إلا أن الإسلاميين لم يسترقوا السمع إلا لما يرتضيهم ، وهو القضاء على تراث ثقافى ضخم ، واستفزهم اسم النبى وجنسيته ، فضلا عن أنه يحتضن أوكارا وأكشاكا للكتب ، ولم يلقوا بالا لمن يتقوت ويعيش من هذه الأكشاك ، فأكم من الأسر و العديدين من شباب ورجال الإسكندرية منذ زمن بعيد اختاروا هذه المهنة ولم يعرفوا غيرها ، بل وتوارثوها أبا عن جد ، الى أن جاء التيار الاسلامى باحثا عن خاتم النبى دانيال الذى اختفى تحت أنقاض الكتب والمجلدات وغرق وسط دموع الباعة ، الذين دافعوا عن إرثهم وإرث التاريخ لكن يد البطش أقوى فقد أنهار المكان لينضم كغيره الى لائحة المطالبة بالحق المهدر ، والتى تتكدس يوما بعد يوم ، فى انتظار الدور، وينضم الباعة الى لائحة عاطلين لحين النظر فى أمرهم والتحقيق فى الوقعة ، واتخاذ اللازم تلك الكلمات المأثورة التى لم نعد نسمع غيرها فى أى إشكالية ، وهذا هو ما كان معهودا من قبل ،ولا أخلف الله لنا عادة ، فدائما ما نهدم ونعتذر ، ونبطش " واحنا عاملين مش واخدين بالنا من الأوراق والتراخيص "ثم نقول – طبعا مجرد قول فقط – سوف نصلح ونعيد لكل ذى حق حقه ، وحلنى يا حمار ويبقى الدعاء لكم الله وحده يا مشردى شارع نبى الله دانيال ، ويا أدب وعلم علماء المسلمين الذين مسحنا بأحبارهم أرض شارع نبى الله المقدس .