يعد الشيخ عياد الطنطاوي من أبرز العقول الأزهرية الفارقة من أعلام أمتنا وكان صاحب رؤية وتجربة في وضع تصور كلي لصناعة مشروع تجديدي ينصلح به شأن الخطاب والبلاد والعباد. وكما يقول الشيخ أحمد ربيع الأزهري من علماء الأزهر والأوقاف ولد الشيخ محمد بن عياد بن سعد بن سليمان الشافعي المرحومي الطنطاوي سنه1225ه = 1810م في قرية (نجريد) بمدينة طنطا، وينسب إلى قرية مرحوم من أعمال محافظة الغربية والتي كان أبوه منها، حيث عمل والده سعد ببيع القماش والصابون والبن. حفظ القرآن في كتاب القرية، وفي الأزهر تتلمذ على شيوخه الأعلام حتي نجح في إدخال الدراسات الأدبية بالأزهر، ومع عمله بالأزهر عمل في المدرسة الإنجليزية بالقاهرة - وهي مدرسة الإرسالية البروتستانتية - عام 1835م وفيها اتصل بالعديد من الأوروبين الوافدين ومن بينهم جماعة من المستشرقين تتلمذ بعضهم على يد الطنطاوي منهم موخين وقرين الروسيان، وبشهادتهما له وتزكية قنصل روسيا في القاهرة سافر الشيخ إلى روسيا عام 1840م وكما وصى الشيخ حسن العطار تلميذه رفاعة الطهطاوي أن يسجل كل ما يراه في باريس وصى تلميذه محمد عياد الطنطاوي أن يسجل كل ما يراه في روسيا، وهذا يعد جزءا من رؤية العطار للنهوض والتي تبدأ بالرصد والتحصيل ثم التحليل والتشغيل، وقد كان، حيث كتب رفاعة «تلخيص الإبريز في تلخيص باريز» وكتب عياد الطنطاوي «تحفة الأذكياء بأخبار بلاد الروسيا» كانت أهمية الطنطاوي ليس كراصد للأخر ومستفيد بل لكونه أصبح بينهم معلما ورائدا وعميدا، فلم يقتصر دور الشيخ الطنطاوي على تدريس علوم العربية في معهد اللغات الشرقية ببطرسبرج (ليننجراد أيام الاتحاد السوفيتي بروسيا)، بل صار أستاذا للعربية بجامعة سانت بطرسبرج، وتتلمذ له الكثير من المستشرقين الروس والألمان والفنلنديين، وعين مستشارا في الدولة الروسية، وقلده القيصر وسام ستانيسلان ووسام القديسة حنة، كما قلده القيصر خاتما مرصعا بالألماس الغالي، مما يعد نموذجا فارقا لبناء رؤية للتجسير الحضاري مع الأخر مع الإيمان بالثقافة والهٌوية العربية فالرجل لم يخلع زيه ولا عمامته ولم ينهزم ثقافيا أمام ما شاهده في روسيا بل جعل الجميع ينحنون له تقديرا واحتراما ويا ليت أدعياء التجديد الذين انبهروا بالغرب حتى انسلخوا من هويتهم وثقافتهم أن يرفعوا أيديهم ووصايتهم المزعومة عن الفكر والثقافة في بلدنا ويتعلموا من نموذج عياد الطنطاوي الذي ترك تراثا عربيا أصيلا وأسس مدرسة علمية في بلاد الغرب كيف يكون التجسير الحضاري، فالطنطاوي كان يجيد عدا العربية اللغة الفرنسية والروسية و الفارسية والتركية واللغة التترية وترك 41 مؤلفا مخطوطا أحصاها «كرانشكوفسكي» وبالإضافة لكتابه المطبوع «تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا»، وبمراجعة أسماء مؤلفات الرجل التي وصلت إلينا نجده قد وضع حواشي على كتب في التوحيد والنحو والصرف كما وضع تعاليق على حواشي للشيوخ العطار والأمير البيجوري ، وتقييدات على شرح الأزهرية في النحو للشيخ خالد الأزهري ، ووضع قاموس عربي فرنسي طبع في قازان سنة 1849م، ومعجم تتري عربي، كما قام بنقد كتاب «الأمم الإسلامية» تأليف كارسين دي ساسي ، وغير ذلك مما يظهر حيويته الفكرية ويقظته المعرفية وتأثيره الفاعل في الأخر وتصديه بالنقد للإفترءات على ثقافته وهويته الإسلامية والعربية، توفي الشيخ عياد الطنطاوي 29 أكتوبر 1861م ودفن في قرية فولكافو بجوار بطرسبرج في مقابر للمسلمين..