من تواضعه كان يذهب بنفسه إلى السوق فيشترى حاجاته ويحملها إلى بيته، وكان يقضى مصالح أسرته داخل منزله، وكان متمسكا بالسنة قولا وفعلا. انه الامام أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله الخراشي، ولد عام 1010ه /1601م فى قرية أبو خراش من أعمال شبراخيت بمحافظة البحيرة، ونشأ فى بيئة صالحة، التحق بالأزهر الشريف فتتلمذ على كبار علماء عصره، ثم تصدر للتدريس والإقراء، ترك عددًا كبيرًا من المؤلفات فى مختلف العلوم، تولى مشيخة الأزهر عام 1090ه / 1679م وظل بها حتى وفاته يوم الأحد 27 ذى الحجة 1101ه 30 سبتمبر 1690م، عن تسعين عامًا . ويوضح الشيخ أحمد ربيع الأزهرى من علماء الأزهر والأوقاف أن الشيخ الخراشى وهو أولُ من يؤرخ به لشيوخ الأزهر, بلغت شهرته الآفاق حتى بلاد الغرب والتكرور والشام والحجاز واليمن وغيرها، وقد كانت تأتيه الزيارات والوفود من كل مكان للجلوس إليه والتتلمذ على يديه، وكان مهيب المنظر، مسموعَ الكلمة، مقبولَ الشفاعة، وكان لسان الحق للسلطان، وكثير الشفاعات، حتى إن الناس إذا أصابهم أمر كان لسانهم يلهج باسمه مستغيثين ومنادين عليه: يا خراشي، أي: أنقذنا...إلخ.وكان - على مكانته – متواضعا عفيفًا واسع الخلق كثير الأدب والحياء، كريم النفس حلو الكلام، دائم الطهارة، كثير الصمت، كثير الصيام والقيام، زاهدًا ورعًا، متقشفًا فى مأكله وملبسه وفرشه. وكان لا يتخلف عن صلاة الجماعة، فكان لا يصلى الصبح – صيفا أو شتاءً – إلا بالجامع الأزهر على الرغم من تقدم سنه، وكانت له فى بيته خلوة خاصة يعتزل فيها متفرغًا للعبادة والذكر، وكان طوال عمره دَؤوبًا على التعليم، قائما على مختصر خليل، له عليه شرحان والصغير منهما أكثر نفعًا، واشتهر عند الطلبة ويقال إنه ألفه بأمر من النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه قال له: «اختصر شرحك الكبير يسهل تعاطيه ويعم النفع به فكان كذلك»، وله شرح على صغرى السنوسي، وشرح الآجرومية وغيره، وكان إماما للمالكية بالديار المصرية، وإليه انتهت رياسة العلم بالأزهر مع الدين المتين والورع التام، وله المرتبة العظمى عند أهل مصر، والحظوة عند أرباب الدولة يتبرك الناس به ويتساقطون عليه إذا مرّ فى الطرقات. قال الشيخ على العَدَوى الشهير بالصعيدي: «انتهت إليه الرئاسة فى مصر، حتى لم يبق فى آخر عمره إلا طلبته، وطلبة طلبته». ويقول عنه الجبرتي: «الإمام العلامة والحبر الفهامة شيخ الإسلام والمسلمين، وارث علوم سيد المرسلين الشيخ محمد الخراشى المالكى شارح خليل وغيره، ويروى عن والده الشيخ عبد الله الخراشى، وعن العلامة الشيخ إبراهيم اللقانى كلاهما عن الشيخ سالم السنهورى المالكى عن النجم الغيطى، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصارى عن الحافظ ابن حجر العسقلانى بسنده إلى الإمام البخارى».