«الشعب يريد قيادة قوية ومستقرة وثابتة، فالاختبار الحقيقي لنظام الدولة السياسي يتمثل في كيفية تعزيز التنمية بشكل فعال وعادل وتلبية حاجة الشعب لحياة كريمة»، هكذا رد تسوى تيانكاي السفير الصيني في الولاياتالمتحدة على تساؤل «لماذا نريد تغيير دستورنا؟». التعديلات الدستورية الأربعة في الصين، وضعت بصمة ما يمكن تسميته بنظرية أو عقيدة الرئيس شي جين بينج حول مفهوم «الاشتراكية الصينية في عصر جديد». ويضم «فكر شي»، الذي تم استخدامه كمصطلح رسمي لأول مرة خلال المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، 14 نقطة أساسية.
تنصب كلها في اتباع الحزب استراتيجية تركز على الشعب من أجل المصلحة العامة، ومواصلة الاصلاحات الشاملة، وتبنى أفكار جديدة قائمة على العلم من أجل تنمية مبتكرة ومنظمة ومشتركة وتتسع للجميع، ودعم الأمن القومي، وحماية سياسة «صين واحدة»، وترسيخ «مصير مشترك» بين الشعب الصيني والشعوب الأخرى حول العالم عبر توفير «بيئة دولية سليمة». ويركز «فكر شي» على هدفين أساسيين، الأول: التحديث الاشتراكي الذي يكتمل بشكل أساسي بحلول 2035، والثاني بناء «دولة اشتراكية حديثة عظيمة» بحلول منتصف القرن. ويرى الرئيس الصيني أنه «فقط عن طريق التكيف المستمر مع الأوضاع الجديدة يستطيع الدستور أن يكون حيويا بشكل دائم»، على حد تعبيره. وفي مارس الماضي، وافق نواب مجلس الشعب الصيني على إدخال التعديلات التي تلغي القيود المفروضة على مدة وولايات حكم رئيس البلاد ونائبه، التي كانت محددة بولايتين اثنتين مدة كل منها 5 سنوات. وينص التعديل على حذف التعبير المتعلق بالتقييد بولايتين من الفقرة التي تنص على أن «فترة ولاية الرئيس ونائب رئيس جمهورية الصين الشعبية مماثلة لولاية المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني ولا يمكن أن تتعدى فترتين متتاليتين»، وبالتالي يمكن انتخاب الرئيس الصيني بلا حدود كل خمس سنوات في دورة المجلس التشريعي. كما صوت النواب، في دورة المجلس السنوية التي انعقدت في بكين من 5 إلى 20 مارس الماضي، على تعديل أكثر فى 20 مادة فى الدستور، منها تضمين القانون الأساسي نص وثيقة الرئيس شي جين بينج حول «تنمية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في عصر جديد». ووفقا لنص التعديل، فإن عبارة «تحت قيادة فكر شي جين بينج للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في حقبة جديدة» سوف تظهر الآن في ديباجة الدستور، والذي يضم بالفعل أسماء وأفكار ماو تسي تونج، ودنج شياو بينج. كما وافق نواب مجلس الشعب الصيني خلال التصويت على إنشاء هيئة جديدة لمكافحة الفساد، تحت اسم «لجنة الرقابة الحكومية». وأقرت الصين مسودة الدستور الأول عام 1954، وتم تبني نص القانون الأساسي الحالي ونشره في 4 ديسمبر 1982، وبعد ذلك تم تعديله أربع مرات. وفي الفترة بين عامي 1988 و 1999، تضمنت التعديلات إصلاح حقوق استخدام الأراضي والوضع القانوني للاقتصاد الخاص ونظرية بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ووضع عبارة «اقتصاد السوق الاشتراكي» محل عبارة «الاقتصاد المخطط» ودمج نظرية دنج شياو بينج، كما ركز تعديل 2004، على حماية الملكية الخاصة وحقوق الإنسان. ولم يعدل البرلمان فقط الدستور، بل سبقه الحزب الشيوعي بتعديل دستوره حيث تم إدراج فكر شي عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وإدراج الحلم الصيني بتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، و»مجتمع المصير البشري المشترك «، ومبادرة «الحزام والطريق» في دستور الحزب. شى أو «القائد الأعلى»، كما أطلق عليه منذ عام 2012، تمكن من الحفاظ على مكانة الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما حافظ على حالة الاستقرار الاجتماعي في دولة تعتبر الأكثر كثافة سكانية حيث يبلغ عدد سكانها مليارا و404 مليون نسمة، بعد أن تمكنت بكين من رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 40 ضعفا، كما أنه على وشك القضاء على الفقر بحلول 2020. ونجحت الصين فى مواجهة الفساد عبر حملة واسعة وضخمة، كان من نتائجها أن 40 ألف مسئول أمام العدالة بتهم تتعلق بالفساد. كما تلعب الصين دورا أكثر أهمية في الشئون الدولية، فهى منافس قوى للهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية. نجاح التجربة الصينية يعود في جزء منه إلى قوة القيادة وتماسكها، وخصوصا قوة الحزب الشيوعي وقدرته على التخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل لتحقيق أحلام الصينيين في السلام والتنمية، ولذلك اعترفت التعديلات الدستورية بهذا الدور القيادي للحزب. وهكذا تحول «الحلم الصيني» إلى شعار للرئيس الصيني وللحزب الشيوعي من أجل استمرار التنمية والتطوير. وحظيت التعديلات الدستورية الصينية بترحيب دولي، خصوصا من الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، لدرجة أن ترامب وصف شي بأنه «أقوى رئيس منذ مئات السنين»، وأن تمديد رئاسته شيء عظيم «ريما يتعين علينا أن نجرب ذلك يوما ما».