منذ الإطاحة بنظام معمر القذافى فى 2011، يلقى الليبيون اللوم على فرنساوإيطاليا فى عدم التوصل إلى حل يسهل خروج ليبيا من حالة الفوضى التى تغرق فيها ودخلت عامها الثامن. والدافع الرئيسى وراء الكثير من المشكلات الحالية بين الدولتين، التى تراجعت بينهما العلاقة إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، ليس وليد اللحظة الراهنة ولا الصراع بين النخبة السياسية والسياسات الشعبوية، بل كان نتيجة لقرار الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى بالدفع باتجاه التدخل العسكرى فى ليبيا، المستعمرة الإيطالية السابقة التى مازالت روما تعتمد عليها حتى اللحظة فى واردات البترول. بالنسبة لروما، تعدت باريس كل الحدود، فهى التى جرت دول العالم للتدخل وتسببت فى إيجاد منطقة حظر طيران، كان من نتائجها الإطاحة بالقذافي، كما أنها تتحمل بالطبع مسئولية ازدياد أعداد المهاجرين عبر ليبيا. هذا الإرث تحمله الرئيس الحالى إيمانويل ماكرون منذ دخوله قصر الإليزيه. ففى مايو الماضي، دعا الرئيس الفرنسى إلى لقاء فى باريس بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبى وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق فى طرابلس، بينما كانت إيطاليا غارقة وسط أزمة سياسية بعد انتخابات غير حاسمة، حيث وصل تحالف الشعبويين إلى السلطة بعد أيام من هذه الدعوة الفرنسية. وظهر ماكرون فى لقطة تاريخية يتوسط مصافحة بين حفتر والسراج، إلا أن قمة باريس لم تنجح فى تحقيق انفراجة حقيقية على أرض الواقع حتى الآن على الرغم من السعى الدؤوب فى ليبيا لتنفيذ توصياتها التى تتمثل فى التوافق الدستورى من أجل تنظيم انتخابات فى الربيع المقبل. وأكد إعلان باريس التزام الأطراف الليبية بالعمل معا لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية فى العاشر من ديسمبر، وقبول نتائج الانتخابات والتأكد من توافر الموارد المالية اللازمة والترتيبات الأمنية الصارمة. وبدافع من الغيرة بين المستعمرين القدامي، حاولت روما لعب دور فى المصالحة الليبية، حيث أعلنت عن مؤتمر دولى فى باليرمو فى نوفمبر الماضى لجمع رأسى الحكم فى ليبياعلى مائدة واحدة، حتى إن جوزيبى كونتى رئيس الوزراء الإيطالى سافر إلى شرق ليبيا لإقناع قائد الجيش الليبى بالحضور. وحضر حفتر، إلا أنه رفض الجلوس مع وفدى قطر وتركيا بسبب دعمهما للإخوان والجماعات الإرهابية، إلى جانب فضيحة سفينة الموت التركية التى كانت تهرب أسلحة إلى ليبيا، بينما أكد الجيش الليبى أن الهدف من المؤتمر أمنى بحت يتمثل فى مطالبة دول الجوار بحماية الحدود. وبالطبع، فإن فرنسا التى تساند حفتر وتدعمه، كانت هى الأنجح فى مقاربتها باتجاه السلام فى ليبيا، على العكس من إيطاليا التى فشل مؤتمرها فى التوصل إلى صيغة متماسكة للحل. وكان تقرير لموقع «ديفسا»، المقرب من المخابرات الإيطالية، قد هاجم السياسات الإيطالية تجاه ليبيا بسبب الرهانات الفاشلة ودعم الإسلام السياسي، فى وقت نجحت فيه باريس فى اختيار حفتر كحليف باعتباره الوحيد القادر على توحيد ليبيا. وانتقلت الحرب الكلامية التى أشعلها الشعبويون فى إيطاليا إلى الإعلام والواقع الإفتراضي، وقال ماتيو سالفينى نائب رئيس الوزراء الإيطالى ووزير الداخلية إن فرنسا لا ترغب فى تهدئة الأوضاع فى ليبيا التى يمزقها العنف بسبب مصالحها فى قطاع الطاقة. بينما دعا لويجى دى مايو، النائب الثانى لكونتى إلى فرض عقوبات أوروبية على باريس بتهمة إشاعة الفقر فى إفريقيا والتسبب فى تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا. وأرجع دى مايو، زعيم حركة 5 نجوم، سبب الهجرة إلى استمرار بعض الدول الأوروبية، وفى طليعتها فرنسا، «فى استعمار عشرات الدول الإفريقية»، على حد قوله. هذا النزاع بين الدولتين على دولة ثالثة، كان حديقة خلفية لروما وحليفة لفرنسا خلال حكم القذافي، بمثابة شكل من أشكال الاستعمار «فى ثوب ناعم» ومحاولة لفرض الوصاية على ليبيا التى تمر بفترة حرجة للخروج من عنق الفوضى والحرب والخراب والإرهاب.