يحتفل حزب الوفد فى مارس المقبل بمرور المئوية الأولى على نشأته، مما يجعله أقدم الأحزاب المصرية قاطبة وأعرقها، الأمر الذى يؤهله لقيادة تيار معارضة قوية، بما يملكه من خبرات وكوادر سياسية. إلا أن واقع الأمر يشى بخلاف ذلك، إذ يشغل المرتبة الثالثة داخل مجلس النواب، وتسبقه أحزاب أحدث فى النشأة والخبرة، بالتزامن مع أزمات داخلية بسبب صراع التيارات داخله. صحيح أن الحزب على وشك الانتهاء من تشكيل حكومة الظل بقيادة عمرو موسى، ومنوط بها كما أكد المتحدث الإعلامى باسم الحزب الدكتور ياسر الهضيبى ترشيد ومعاونة الحكومة فى إقرار وتنفيذ السياسات العامة التى تخدم صالح المواطن وأمنه، إلا أن هذا الحاضر، مسكون دومًا بالصراع واشتعال حرب الجبهات، منذ وفاة مؤسسه الثانى وأحد قياداته التاريخية فؤاد سراج الدين، ما يفقده الكثير من النفوذ السياسى والحضور الجماهيرى. وإذا كانت تلك الظاهرة ملازمة للحزب منذ نشأته الأولى وظهور ما سمى «أحزاب الأقلية» التى انشقت عن جسم الحزب مثل الأحرار الدستوريين والسعديين بفعل مؤثرات خارجية أبرزها الملك والقصر، إلا أن الظاهرة فى طورها الحالى أخف وطأة حيث لم تقد الى انشقاقات وكيانات موازية، بل اقتصرت على ظهور الجبهات المتصارعة داخل الحزب. تاريخيا.. لم يكد يستقر الحال بالدكتور نعمان جمعة فى رئاسة الحزب، حتى برزت جبهة محمود أباظة التى استغلت حصوله على المركز الثالث فى أول انتخابات رئاسية تعددية عام 2005، وأثارت قضية المشروعية والجدارة لرئاسة الحزب، وانتهت بحدوث انقسام غير مسبوق. وبعدها تولى أباظة رئاسة الوفد، لم يكد بدوره يستقر بالمنصب حتى نازعته السيطرة جبهة السيد البدوى، ولم تهدأ الأمور بعدها. وبعد فوز البدوى برئاسة الحزب، اصطدم بمجموعة «إصلاح الوفد» التى قادها فؤاد بدراوى وعصام شيحة وتم فصلهم. ولم تشذ الامور عن «القاعدة التاريخية» حينما تولى الرئيس الحالى المستشار بهاء الدين أبو شقة، إذ برزت جبهة البدوى من جديد، والتى استغلت نتائج انتخابات الهيئة العليا ونقلت الصراع الداخلى لساحة المحاكم. وذلك فى مقابل اتهامات للبدوى بالتسبب فى ازمة مالية لجريدة الوفد. حول أسباب تلك الظاهرة، أكد مصدر وفدى تكرار تلك الظاهرة لأسباب ثلاثة: عدم إيمان بعض شرائح الحزب تحديدًا المنضمين حديثًا لعضويته بمخرجات العملية الديمقراطية والاحتكام للصندوق الانتخابى؛ ثم عدم إفساح الفرصة أمام حكماء ورموز الحزب للتدخل واحتواء أى خلافات داخلية؛ وأخيرًا الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الحزب والتى لا تسمح له ببذل مجهود مضاعف لاحتواء الجميع وخلافاتهم. وبدت تلك الأسباب الثلاثة واضحة بالأزمة الأخيرة. إذ كان من السهل احتواء تداعيات خسارة الكثير من أعضاء الهيئة العليا السابقين، لو أبدى أبو شقة مرونة أكبر والاستماع إليهم، مما أفسح المجال أمام التصعيد المتبادل والاتهامات الخطيرة التى وجهت له من قبل مجموعة ال 26 بالانحياز لصالح مرشحين وإجبارهم على التبرع للحزب للحصول على مقعد بالهيئة العليا، بالإضافة لعدم قانونية الدعوة لانتخاباتها قبل موعدها كما أكد ياسر قورة أحد أبرز شخصيات تلك المجموعة. بخلاف صراعات سابقة، اعتبر الهضيبى تلك الأزمة الأقل تأثيرًا على الحزب ومؤسساته، ولديه العديد من الأسباب المُدعمة لوجهة نظره، يأتى فى مقدمتها غياب الأزمة عن التناول الإعلامى منذ فترة، وانهيار الجبهة المناوئة، إذ لم يبق منها إلا أقل من العشرة، بعد التراجع غير المعلن من قبل شخصيات لها ثقلها مثل طلعت السويدى، وترضية البعض الآخر. ثم تاليًا وجود توافق عام بين المتصارعين على قبول حكم القضاء النهائى، بوصفه كلمة الفصل لحسم هذا الصراع.. وأضاف الهضيبى أيضًا أن الاتهامات التى وجهت لرئيس الحزب ليس لها أرضية قوية لكونها ببساطة غير حقيقية، قائلاً: إن هناك بعض الشخصيات التى كان يأمل أبوشقة فى فوزها وسقطت بانتخابات الهيئة العليا مثل مواهب الشوربجى التى تنتمى لعائلة وفدية عريقة، كما أن اللغط بسبب التبرعات هدفه التشويش السياسى، لكون رئيس الحزب فى مقدمة المتبرعين ويطلب فى اجتماعات وجلسات أعضاء الحزب التبرع لمواجهة الأزمة المالية التى تعانى منها مؤسسات الحزب وجريدته، وأن الكثير يتبرع من دون إثارة جدل. واتفق معه عضو الهيئة العليا المعين الدكتور مصطفى الفقى بقوله، إن الأزمة الأخيرة لن تؤثر على اتجاه الحزب نحو استعادة مكانته والدفع به إلى الواجهة السياسية التى تعانى فراغًا سياسيًا، إضافة لمساعيه لكى يكون ظهيرًا ومساندًا لسياسات الدولة ومؤيدًا لمسارها الصحيح بالمجالين السياسى الأمنى، والاقتصادى الاجتماعى. وأضاف الفقى أن الحزب معنى بقوة لأن يكون قوة مؤثرة فى الشارع من خلال المبادرات الشعبية والاجتماعية وفى مقدمتها مبادرته «الوفد مع الناس» بوصفه من أعرق الاحزاب المصرية، ووعاء لحركة وطنية تاريخية كان لها صداها الجماهيرى.