كان الأمل معقودا أن تنتهى أزمة حزب الوفد بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى بعدد من قياداته، حيث حثهم على ضرورة إنهاء الخلافات بين الأجنحة المتصارعة كما دعا إلى إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات ، سواء داخل الحزب الواحد أو بين الأحزاب وبعضها.. غير أن تصاعد الأزمة مرةً أخرى على خلفية قيام الهيئة العليا لحزب الوفد بفصل 7 من أعضائه، وهم: ياسين تاج الدين، ومحمد المسيري، وفؤاد بدراوي، وعبد العزيز النحاس، وعصام شيحة، وشريف طاهر، ومصطفى رسلان - أثار العديدَ من التساؤلات حول دوافع التصعيد، وتأثيره على مستقبل الحزب وتماسكه، فضلا عن التداعيات المحتملة للأزمة على خوض الحزب للعملية الانتخابية. وقد رصد بحث لبرنامج الدراسات المصرية التابع للمركز الاقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة أن الأزمات والانشقاقات التى يشهدها حزب الوفد منذ تأسيسه شكلت أحد الملامح البارزة لتفاعلاته الداخلية؛ حيث تصاعدت حدة الخلافات أخيرا داخل أروقة الحزب بعد دعوات عدد من قيادات الحزب بسحب الثقة من رئيسه السيد البدوى على خلفية إدخاله بعض التعديلات على الجمعية العمومية. وهو ما أثار ردود فعل داخل الحزب، واستياء من جانب بقية أعضاء الهيئة العليا والمكتب التنفيذي، دفع عددًا منهم لعقد مؤتمر بعنوان (الوفد.. الأزمة والحل) بقرية الغار التابعة لمركز الزقازيق بالشرقية، لسحب الثقة من الدكتور السيد البدوي، الذى قام بدوره بعقد اجتماع للهيئة الوفدية أسفر عنه عدة قرارات، منها: إيقاف عضوية كلٍّ من: فؤاد بدراوي، وياسين تاج الدين، ومحمد المسيري، وعصام شيحة، وعبد العزيز النحاس، أعضاء الهيئة العليا، وتشكيل لجنة من الدكتور عبد السند يمامة، والمستشار بهجت الحسامي، واللواء أحمد الفولي، وأحمد عودة عضو الهيئة العليا، للتحقيق معهم فيما قاموا به. وأرجع البحث الذى قدمه خبراء البرنامج تفجير الأوضاع داخل الحزب الى أسلوب القيادة الفردية ، وغياب القيادات التاريخية التى كان لها دورها المؤثر فى تخفيف واحتواء الصراعات داخله، وهو ما انعكس فى عدم القدرة على تجاوز المصالح الضيقة وإعلاء مصالح وأهداف الحزب، الذى مثّل فى فترة من تاريخ مصر ضميرًا للحركة الوطنية المصرية.هذا بالاضافة الى أن عزوف الشباب عن الانضمام لهذا الحزب وللأحزاب السياسية بشكل عام جعل لهذا الحزب قاعدة شعبية ضيقة. والجدير بالذكر أن حجم عضوية الشباب بالأحزاب السياسية بها لا يتجاوز 10% من جملة المؤهلين للمشاركة السياسية. ويلاحظ افتقاد الحزب أخيرا لتقاليد الممارسة الديمقراطية بداخله، خاصة فى ظل ضعف اللوائح الداخلية التى تُنظِّم عملية اختيار القيادات، أو تأهيل الكوادر التنظيمية لتولى المناصب الحزبية، الأمر الذى حوّل عملية اختيار رئيس الحزب إلى مسألة شكليه انتفت فيها المنافسة الديمقراطية، وغلب عليها طابع الولاءات المصلحية. وقد انفجرت هذه المشكلة مع انتخابات رئاسة حزب الوفد التى جرت فى (25 أبريل 2014)، عندما رفض فؤاد بدراوى نتائج الانتخابات التى فاز فيها السيد البدوي، حيث تقدم بعدة طعون قضائية على النتيجة، فضلا عن اتجاهه لتشكيل ما سماه جبهة إصلاح الوفد. وفسر بعض المحللين اندلاع الأزمة مرة أخرى بسبب الدور المتنامى لرجال الأعمال، ومحاولة بعضهم السيطرة على مفردات المشهد الحزبي . وقدم الخبراء السياسيون مسارين محتملين لأزمة حزب الوفد: 1- المسار الأول: استمرار الصراع، و احتمال تصدع الحزب من الداخل، مع انشقاق تيار إصلاح الوفد، وتشكيل جبهة جديدة. يعزز من إمكان تحقق هذا المسار أن الأزمة لم تنحصر داخل أروقة الحزب، لكنها وصلت إلى مكتب النائب العام، وسيكون لهذا التصدع الداخلى تداعيات مباشرة على قدرة الحزب على خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، سواء على المقاعد الفردية أو القائمة. الجدير بالذكر أن الضعف البنيوى الذى يُعانى منه الحزب جعله يخفق - بعد فتح باب الترشح للانتخابات قبل حكم الدستورية العليا ببطلان عدد من مواد القوانين المنظمة للعملية الانتخابية- فى تشكيل تحالف باسم الوفد المصرى بعد جهود مضنية من ممثلى عدد من الأحزاب والشخصيات العامة فى طرح المبادئ العامة للتحالف. وقد انتهت هذه الجهود بالفشل، وبتفتت التحالف، وانضمام حزب الوفد نفسه إلى تحالف فى حب مصر. 2- المسار الثاني: تصالحي، وتحققه يرتبط بمدى قدرة الأجنحة المتعارضة على التوصل لصيغة مشتركة من التفاهمات، بما يحول دون تعرض الحزب لعملية الانشقاق، وسيتوقف هذا المسار على مدى قدرة شيوخ الوفد ونجاحهم فى تشكيل لجنة من الحكماء تتدخل لوقف الصراع، واحتوائه داخل أروقة الحزب، وهو ما يعنى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال لقاء قيادات الحزب بالرئيس السيسى بإنهاء الأزمة بشكل يُرضى جميع الأطراف، وفى إطار من الشفافية والديمقراطية التى تُعد من ثوابت حزب الوفد، وذلك حرصًا عليه كقلعة من قلاع الحياة السياسية المصرية، وحفاظًا على تاريخه باعتباره أمينًا على تراث الحركة الوطنية. ويقول الباحثون إنه برغم أفضلية المسار الثانى ، وأهميته فى الحفاظ على تماسك الحزب ودعم مسيرته، فيبدو أن المسار الأول هو الأقرب للتحقق، لا سيما أن صراعات الأحزاب السياسية بشكل عام تنتج عن أسباب دنيوية، كما ترتبط بالقصور الناتج عن قانون الأحزاب السياسية الذى يسهم فى إضعاف البيئة السياسية، حيث سمح بزيادة كبيرة فى عدد الأحزاب، رغم ضعفها وعدم تمايز برامجها. وهو الأمر الذى انعكس على نمط العلاقة بين قيادات حزب الوفد، التى انشغلت بالصراع فيما بينها بدلا من تقوية موقف الحزب ككل ليتمكن من التنافس مع الأحزاب السياسية الأخرى.