عندمات فجرت فضيحة تورط مصرف جولدمان ساكس الأمريكي العملاق في عملية خداع العملاء من خلال تحويل استثماراتهم إلي صندوق استثمارات عقارية دارت حوله الشبهات قبل شهور قليلة من الأزمة المالية العالمية. وخسر العملاء النسبة الأكبر من أموالهم في عملية احتيال كبري كان البنك الأكبر في الولاياتالمتحدة علي علم بتفاصيلها وأشرف علي تنفيذها. كان اثنان من الباحثين هما سيمون جونسون من معهد إم أي تيMIT والثاني جيمس كواك من كلية القانون في جامعة يل يروجان لكتابهما الجديد الذي يحمل عنوان13 مصرفيا في محطات التليفزيون والراديو والصحف, وهو في قائمة الكتب الأكثر مبيعا, ويروجان معه لمصطلحات غير معتادة في الأوساط الأمريكية حيث يتحدثان عن حكم الأقلية أو الاوليجاركية بالمعني الدارج في الأدبيات السياسية والذي يشيع عند الحديث عن زواج المال والسياسة خاصة في روسيا بعد انهيار الشيوعية. وفي محاضرة بمعهد روزفلت بنيويورك, قدم جونسون وصفا جريئا للأزمة المالية وأسبابها وقال إن هناك ما يسمي ب دائرة الهلاك وهو نظام الحوافز المطبق في الشركات الكبري التي تحقق مكاسب ثم تصرف حوافز طائلة لكبار موظفيها( منفعة خاصة) وعندما تقع أزمة يدفع المجتمع والمال العام فاتورة الإدارة الخاطئة بدليل ان صافي دين القطاع الخاص من الدين الحكومي يبلغ40% من الناتج المحلي الإجمالي في عامي2008 و2009. ويعتبر جونسون وكواك أمريكا تحكمها اقلية من رؤساء البنوك الكبري يحصلون لمؤسساتهم علي القوة السياسية من ممارسة النفوذ الاقتصادي الضخم وينفقون نحو مليون دولار يوميا علي الترويج لمصالحهم في العاصمة واشنطن من خلال شركات الضغط والعلاقات العامة المسجلة لدي الكونجرس والدوائر التنفيذية وبالتبعية تسيطر تلك المؤسسات المالية علي السياسة العالمية بطرق شتي, ويقدم المؤلفان بيانات واضحة عن سيطرة الأقلية علي الاقتصاد الأول في العالم فيقولان إن60% من الناتج المحلي الأمريكي في قبضة ست مؤسسات مالية كبري اليوم مقابل20% فقط في العشرينيات قبل اندلاع أزمة الكساد العظيم في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين, وأن ما يحدث في الولاياتالمتحدة يشبه إلي حد كبير ما يعرف ب اقتصاد الكازينو حيث يكتفي القائمون علي إدارة الكازينو بحصد المكسب بينما يذهب الخاسرون إلي الجحيم. ويؤكد المؤلفان أن الوضع المالي في المؤسسات الكبري في وول ستريت لم يطرأ عليه تغيير يذكر رغم مرور عامين علي الكارثة المالية وهو ما يطرح تساؤلات حول حقيقية نوايا الحكومة الأمريكية في إصلاح النظام المالي. ومن وجهة نظر نخبة من المحللين فإن وول ستريت يحتاج إلي تغيير في شيئين الأول تغيير السلوك والثاني تغيير قواعد العمل وطرق المحاسبة واتباع الشفافية. ويشير المؤلفان إلي أن صعود المصارف الكبري إلي سدة النفوذ هو حصيلة ثلاثة عقود من التنسيق بين البنوك التالية: جولدمان ساكس وسيتي جروب وليمان برزرز وأمريكان أكسبريس وبنك أوف أمريكا وبنك أوف نيويورك ميلون وفريدي ماك وجي بي مورجان تشيس ومورجان ستانلي ونورثرن ترست وبي أن سي وستيت ستريت ويو أس بنك وويلس فارجو. وأستلهم عنوان الكتاب من اجتماع عقده البيت الأبيض حضره رؤساء البنوك ال13 مع الرئيس أوباما في27 مارس من العام الماضي فيما يمكن تسميته حالة تضامن جمعت إدارة الرئيس الجديد ورؤساء المصارف الكبري في حضور اثنين من رؤساء اتحادات البنوك الأمريكية ثم اعلن المتحدث باسم البيت الأبيض نحن جميعا في قارب واحد وهو ما يخالف ما فعله الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت في عام1933 عندما تدخلت إدارته للحد من نفوذ المصارف العملاقة ورؤسائها وهو ما تسبب في تكدير كبير في أوساط صناعة البنوك. وكان اختيار أوباما الصعب هو الوقوف وراء المصارف الكبري بدلا من التدخل للحد هذه المؤسسات التي تجني الأرباح وتزداد ثراء بينما ترتفع البطالة وتتسع الفجوة بين الدخول. والنتيجة توسع أكبر للبنوك الكبيرة وتركيز أكبر في القطاع المالي الأمريكي يؤخر أو يعطل عملية الإصلاح, حيث يواجه مشروع القانون صعوبات في الكونجرس بتأثير نفوذ جماعات المصالح وعلي رأسها البنوك العملاقة وليس المشرعون حيث يوجد شبه اتفاق بين الديمقراطيين والجمهوريين. السياسيون لا يركزون علي القضية الأصلية ويناقشون توافه الأمور بدلا من بحث تأثير حجم البنوك علي الواقع الاقتصادي فالأصل هو أنه كلما زاد حجم البنوك في الاقتصاد زادت مخاطر أن يقود المجتمع إلي مزيد من الأزمات نتيجة اعتماد معظم الأنشطة علي الاقتراض, وبالتالي تزداد الديون وتزداد فرص التعثر. علي النقيض, كلما زاد التقسيم في القطاع المصرفي قلت المخاطر. ومن حسنات النقاش المفتوح في أمريكا أن الجميع من مختلف المدارس والاتجاهات لديهم حرية مطلقة في نشر أفكارهم ثم تقليب تلك الأفكار علي مختلف جوانبها دون مصادرة وربما يصبح كتاب13 مصرفيا ملهما للرئيس أوباما في تعديل خطة الإصلاح في اتجاه تفتيت المؤسسات المصرفية العملاقة وإنهاء احتكار الكبار أو حكم الأقلية لسوق المال من أجل تصحيح الوضع الداخلي.