ربما يكون الخبر الذى نشرته الأهرام قبل يومين عن شاكيرا - مطربة كولومبيا الأولي، التى هى من أصل لبناني، وزوجة نجم دفاع فريق برشلونة جيرار بيكيه - قد مرّ على الكثيرين منا مرور الكرام.. وما كان ينبغى له أن يمر. الخبر لم يكن عن فنها، ولا كان عن حياتها الخاصة، بل عن جهودها الحثيثة للمشاركة فى بناء مجتمعها.. ليس من خلال الفن, وإنما من خلال بناء المدارس. لقد تضمن الخبر أن شاكيرا شيدت مدرستين جديدتين لمواطنى بلدها ليصبح العدد الإجمالى أربع مدارس بنتها المطربة حتى الآن. قالت شاكيرا فيما قالت: حينما لا يحصل الأطفال على مستوى تعليم جيد فلا تحدثونى أرجوكم عن بلد ينعم بالسلام. (ولا شك أن البعض يعرف كم عانت كولومبيا وتعانى المشكلات الأمنية والمجتمعية كالكثير من بلداننا العربية). ومن نافلة القول الحديث عن أن أول ما سوف يتبادر إلى الذهن عند قراءة مثل هذه النوعية من الأخبار هو سؤال: وأين إذن فنانونا الذين تمتلئ الجرائد والتوك شوهات بأحاديث عن ملايينهم المملينة، وأين أثرياؤنا ورجال أعمالنا الأشاوس مما أقدمت عليه شاكيرا؟ أرجوك لا تقل إن شاكيرا لديها من المال ما تعجز عن حمله الرجال ومن ثم فلا ضير عليها إن هى أخرجت قرشا أو قرشين للغلابة. لا يا محترم فإن لدينا فى مصر الآن (اللهم لا حقد ولا حسد) أثرياء تنوء بحمل ثرواتهم الجبال.. فأين منا - نحن الغلابة - بعض مما اكتسبوا؟ ما المشكلة فى أن يمد أثرياؤنا يد العون والمساعدة للدولة فى بناء عشر مدارس - أو حتى مائة مدرسة - فى المحافظات التى ينتمى إليها هؤلاء الأثرياء؟ ألم تسمعوا عن مجهودات المليارديرات الأمريكان، بيل جيتس، أو وارن بافت، أو مارك زوكربيرج.. وغيرهم.. فلماذا لا نحذو حذوهم؟ ستقول: إن أغنياءنا يدفعون ضرائبهم بلا تأخير ولا تقصير (طيب عينى فى عينك!).. وحتى لو كانوا مشكورين قد أدوا حق الدولة فأين حق المجتمع ممثلا فى (غلابته)؟ ألسنا نتحدث ليل نهار عن السلام الاجتماعي..؟ صحيح.. هناك من كرمائنا الأثرياء من يقدم منحا لطلاب الجامعات للدراسة بالخارج، ومن أقام جوائز قيّمة للمبدعين من الشباب فى شتى المجالات، ومن يسهم فى بناء المستشفيات والملاجئ.. لكن كم نسبة هؤلاء (الطيبين) إلى جموع الميسورين فينا (الذين لا نشك للحظة فى أنهم هم أيضا طيبون)؟.. وهل سمعتم عن غنى منّا أقدم على إقامة مدرسة أو جامعة ( لوجه الله.. وليس بحثا عن مزيد من الربح)؟ نعرف أن ثقافتنا تحض على ألَّا تعرف يدك اليُمنى ما أنفقته يدك اليسري.. إلا أنه فيما يتعلق بالمنفعة العامة يكون من الضرورى الإشارة بالبنان والإشادة بكل كريم أنفق بعضا من ماله حتى يكون قدوة لغيره فيقلدوه. وبالتأكيد لم يعد خافيا على أحد أن مسألة التعليم تحديدا، إلى جانب كونها هى أساس بناء نهضة هذا المجتمع، فإنها باتت مكلفة جدا.. ومن يعتقد أن الدولة وحدها هى المنوط بها تحمل هذا العبء فهو واهم.. وها نحن نرى مدى التدهور الذى وصل إليه التعليم عندنا إلى الحد الذى دفع وزير التعليم نفسه ليصرح ذات يوم بأن مدارسنا لا تنتج متعلمين بل حفيظة لا يدركون ما يقولون.. فإلى متى سنستمر - نحن الأغنياء- عاملين فيها أذنا من طين وأخرى من عجين؟ أحد شبان المدرسين العاملين بإحدى مدارس الأثرياء (أو ما يقال له الإنترناشيونال) شرح لى كيف أن ما يتلقاه البسطاء منا بمدارسهم لا هو تعليم ولا يحزنون قياسا إلى ما يتلقاه أبناء المحظوظين، إذ لا الكيميسترى هى الكيميستري، ولا الماث هو الماث.. ناهيك عن إنجليزية (أبله ميرفت) المهشمة الشوهاء التى تندّر عليها الدكتور شوقى قبل عدة أشهر ! والسؤال هنا هو : كم يا ترى نسبة هؤلاء المحظوظين إلى نسبة (دوكهوما) ولاد الإيه الغلابة؟ وهل يستقيم لمجتمعك عود إن أنت علّمت القلة ونسيت الأغلبية؟.. أليس هذا هو الخطر الأخطر على سلامك الاجتماعي؟ نسمع ونشاهد على الشاشات كل يوم عن الملايين التى يتم التبرع بها للمستشفيات والمراكز الصحية.. وهذا شيء طيب.. لكن لماذا لا نسمع أو نقرأ عن جهد مماثل فيما يتعلق بالتعليم؟ نريد أن نصحو على إعلانات تحث على بناء المدارس، خاصة فى المناطق والمحافظات الفقيرة.. ويا سيدى لا مانع أبدا من أن يُنسب الفضل لأهله وليكتبوا فى الجرانين عن هؤلاء السادة المتبرعين ( لزوم القدوة يعني.. وليس لزوم أغراض أخرى لا سمح الله!). أليس فينا (ومنّا) الآن على الأقل ألف ملياردير أفاء الله تعالى عليهم بالرزق الوفير.. فما المشكلة فى أن نقرأ أسماءهم مكتوبة على مداخل ألف مدرسة فى شتى أنواع التعليم ومراحله بكل بقاع مصر المحروسة؟.. وللعلم فإن عمل الخير أمر معدٍ؛ يعنى بمجرد إقدام البعض على هذا العمل الطيب سيسارع آخرون إلى تقليدهم.. وكله يا عمنا فى ميزان حسناتك.. وحسنة قليلة تمنع بلاوى كثيرة. ولسنا فى حاجة - بهذه المناسبة- للتذكير بما هو مأثور وقابع فى ضمائرنا عن (الصدقة الجارية). إيه يا عم الحاج.. إنت ها تشحت ولّا إيه؟ لا يا باشا.. هذه ليست شحاذة بل هو حق الناس عليكم أيها الأثرياء.. ألستم أثريتم من أنشطة كان هؤلاء الناس سببا فيها؟.. نحن يا كابتن مجتمع واحد فلا داعى إذن لأن نعيد ونزيد فيما قالته الأخت شكيرة! لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات