أصيب صاحبنا بالتهاب فى العين فنصحه صديق بزيارة بشارع الدقى أو الطبيب بشارع مصدق، وأوضح له أنه اختارهما لأنهما بالقرب من مقر إقامته. واختار الموجودة عيادته بشارع مصدق، وعندما وصل طلب منه السكرتير دفع اربعمائة جنيه، فدفعها وهو يتساءل لماذا؟ وماذا جرى لأتعاب الأطباء؟.. وانتظر دوره مع أكثر من عشرين مريضا. وأخيرا رآه الطبيب وأجرى الكشف على قاع العين ثم أوضح له أنه مصاب بالتهاب فيروسى أدى الى قرحة فى القرنية ونصحه بالأدوية التى تتطلبها مثل هذه الحالة. ولم يستغرق الأمر سوى ثلاث دقائق. وأدهشه أن يتقاضى الطبيب أكثر من مائة جنيه من أجل دقيقة من العمل. وبما أن الطبيب يعمل خمسة أيام فى الاسبوع، ووفقا لمعدل أو متوسط عدد المرضى فإنه يكشف على نحو خمسين أو ستين مريضا طوال ساعات وجوده بالعيادة التى تصل إلى أكثر من ست ساعات. وإذا تصورنا أن نصف العدد استشارات، فإن ذلك يعنى أن هناك على الأقل 25 مريضا يدفع كل منهم 400 جنيه، اى انه يحصل على عشرة آلاف جنيه، أى خمسين ألفا بالاسبوع أى مايقرب من ربع مليون جنيه كل شهر. هذا بخلاف العمليات الجراحية التى يجريها والتى تدر عليه الكثير من الأموال. وعندما حاور صديقه حول الأمر قال له إن هناك أطباء يتقاضون أتعابا تصل إلى ألف جنيه من كل مريض مقابل الكشف عليه، وأخبره فإن المتوسط يتراوح بين 300و800 جنيه، وأن زمن الطبيب الذى يحصل على عدة جنيهات من كل مريض بجانب وجود عدد كبير يرفض تقاضى أموال من بعض المرضى من أصحاب الدخول المحدودة وتطوع البعض منهم بشراء الأدوية لبعض المرضى المحتاجين أو المستحقين الذين لا يملكون ثمن الدواء. وإذا كان الأطباء فى معظمهم يحصلون على مثل هذه الدخول المرتفعة جدا والتى يرون أنها من حقهم مقابل سنوات الدراسة الطويلة والمجهود الوافر خلال سنوات البحث العلمى من أجل نيل درجات علمية متميزة فإنه لا بأس إذا كانوا يرون أن ذلك يمثل حقا لهم وإن كان على حساب المرضى, ولكن يبقى التساؤل عن حق الدولة. فهل هناك من بينهم من يدفع الضرائب المستحقة على مثل هذه الدخول؟ وأكاد أجزم بأن الغالبية الساحقة من الأطباء لا تدفع أبدا مثل هذه الضرائب، بل إن الضرائب المدفوعة لا علاقة لها بهذه الدخول. وأكاد أجزم أن تحصيل الضرائب المستحقة للدولة على الدخول الحقيقية سيسهم بشكل كبير فى زيادة موارد الدولة. ولكن يبدو أن هناك شرائح أخرى مازالت بعيدة عن أعين المسئولين عن الضرائب. وكمثال يفقأ العيون، هناك أمام مبانى إحدى الهيئات يوجد ثلاثة من المنادين أو «السياس» الذين يشرفون على انتظار سيارات الموظفين التى يتجاوز عددها الألف سيارة. وخلال الأسابيع الماضية اتفق هؤلاء «المنادون» على رفع قيمة ما يحصلون عليه من كل سيارة الى عشرة جنيهات، أى أن هؤلاء الثلاثة يحصل كل منهم يوميا على أكثر من ثلاثة آلاف جنيه. هل عرفت الضرائب الطريق الى هؤلاء الذين يملأون الشوارع سواء بالقاهرة أو بباقى مدن مصر؟ والمثال الفج الثالث، المدرسون الذين أثروا ثراء فاحشا من الدروس الخصوصية، لقد كان المسئولون بالضرائب يعلمون ولو بشكل تقريبى حقيقة الدخول المرتفعة جدا التى يجنيها المدرسون خاصة أصحاب «السناتر». فماذا فعلت؟ لا شيء تقريبا. ويمكن القول إن هذه الشريحة تقف ضد محاولات وزير التعليم الحالى لتطوير التعليم. فهم أول من يعلم أن نجاح الرجل هو نجاح لمصر ككل، ولكنه نجاح سيقضى على هذه الثروات التى كانوا يحصلون عليها كل عام. لقد استمر المواطنون المصريون يدفعون عشرات المليارات سنويا مقابل الدروس الخصوصية، هذه المليارات ذهبت الى جيوب المدرسين، ولم تستطع الدولة أن تحصل على حقولها كاملة أبدا. لمزيد من مقالات عبده مباشر