نسعى ونلهث وراء متع وتفاصيل الحياة المتنوعة، التي تأخذنا كأمواج البحر بين أحداث يومية وتطور مستمر، لكن بين الحين والآخر تشتاق الذاكرة لإنعاشها ببعض أسماء الأشخاص والشوارع أو الأعمال الفنية التى قد تُشبعنا بمختلف الأحاسيس والقيم التي نفتقدها كثيراً اليوم، فماذا لو منحنا القدر فرصة العيش من جديد داخل حكاية من حكايات صندوق الدنيا. "قرّب يا سلام.. اتفرج يا سلام.. واسمع قصص وحواديت".. كانت هذه الكلمات دائماً تداعب خيالي كلما صادفت صديقي العجوز عم أنور؛ ذلك الرجل الذي كلما اشتقتُ لسماع ذكريات أبنية وشوارع منطقة وسط البلد، التي تفوح منها رائحة الماضي ذهبت إليه، لذا كنتُ أناديه دائماً "بصندوق الدنيا" الذي يفتني كالأطفال كلما التقينا بحكاية من حكايات الزمن الجميل. عشتُ معه حكايات وذكريات شارع قصر النيل وكيف أصبح بعد رصفه بالحجارة عام 1882 إلى واحد من أشهر الشوارع التجارية فى القاهرة، وكيف صادف عم أنور حب عمره أمام عمارة الإيموبيليا الشهيرة، وكان مقهى جروبى بعمارة ميدان طلعت حرب الشهيرة التى يرجع تاريخها لعام 1924 هو الشاهد على تفاصيل تطور هذا الحب. في كل لقاء كان يمنحنى صندوق الدنيا حكاية جديدة من زمن فات عن أماكن وبشر حفرت داخله دنيا كبيرة من الذكريات. العجيب عندما ألتقيت بالعجوز هذه المرة لم أجد من صندوق الدنيا سوي الصمت؛ كل ما فعله أخذ بيدى وسرنا بين الشوارع والميادين وبعد وقت ليس بالقليل أخذ يتمتم بكلمات أدركت بعد وهلة أنها للراحل صلاح جاهين "اسمعى يا حلوة لما أضحك.. الشارع ده كنا ساكنين فيه زمان.. كل يوم يضيق زيادة عن ما كان.. أصبح الآن بعد ما كبرنا عليه.. زى بطن الأم مالناش فيه مكان.. والشوارع حواديت".. ترى ماذا بك يا صندوق الدنيا؛ هل أُصبت بأمواج الأحداث اليومية المتلاحقة التى كنتُ أهرب منها إليك، أم أنك تهرب بى هذه المرة لحكاية جديدة من حكايات الزمن عبر الحنين وليس الكلمات؟!. [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل