أن يقدم العرب كل ما تحتاجه واشنطن منهم إلا قليلا، وأن يلتزم العرب بعدم "إزعاج" واشنطن إلا قليلا أيضا، هو جوهر الإستراتيجية التى تقوم عليها العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعرب منذ عقود. فالبترول والغاز وأشكال علاقات الطاقة والمال، يجب أن يقدمها العرب لواشنطن وحلفائها دون عقبات، كما يجب أن يلتزم العرب بعدم إلحاق ضرر عسكرى بإسرائيل التى تمثل حاملة طائرات برية أمريكية وسط المنطقة العربية. هذا وبدقة ما كان الدافع الرئيسى لتحرك واشنطن عسكريا ضد العرب عامة ومصر تحديدا بعد أيام من نجاح القوات المصرية فى عبور قناة السويس بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، واعتراف إسرائيل بفقدان خط بارليف بما فيه من قوات وعتاد إلى الأبد. فبعد ستة أيام من بداية القتال، حلقت طائرة استطلاع أمريكية فوق الجبهة المصرية بالكامل لتصوير مواقع القوات وطرق الإمدادات إيذانا ببداية التدخل المباشر إلى جانب إسرائيل. ولكن ما الذى دفع واشنطن إلى ذلك؟!.. إنها تقديرات المخابرات الأمريكية التى تم تقديمها إلى الرئيس الأمريكى، والتى حذرت من الخلل المتوقع فى تلك المعادلة، فقد جاء فى نص تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سى آى إيه) الخاص بسيناريوهات الموقف على الجبهة المصرية الإسرائيلية والذى قدمته بتاريخ 13 أكتوبر 1973: "كل يوم يمر دون نجاح إسرائيلى كبير فى هزيمة أو إزاحة القوات المصرية من الضفة الشرقية لقناة السويس يعزز العزم العربى.. وقد يكونوا قادرين على إلحاق الانهيار بالإسرائيليين إلى مستوى ستكون فيه إسرائيل على استعداد لتسوية وقف إطلاق النار تقريبا على طول خطوط المعركة الحالية. وسيكون هذا بمثابة انتصار عربى. لأنه من شأنه أن يحطم أسطورة إسرائيل التى لا تقهر". "وستعانى مصالح الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط، على الأقل فى المدى القصير، ويمكن أن تتضرر بشكل خطير فى الدول العربية. والسوفييت يفقدون النفوذ الذى راكموه فى المنطقة إذا بدا أنهم غائبون فى وقت الحاجة العربية الماسة". وبالتالى جاء قرار واشنطن بالتدخل إلى جانب إسرائيل لإنقاذها. إن المعادلة التى فرضت نفسها على العلاقات الأمريكية العربية خلال عقود سابقة وتالية على حرب أكتوبر المجيدة حتى وإن كان التطبيق يشمل تبديل المتغيرات فى المعادلة قد حان وقت استبدالها بمعادلة أفضل بشكل كامل وعادل؛ فالفائدة التى تحصل عليها واشنطن من المنطقة العربية يجب أن تقابلها فائدة "حقيقية" تقدمها واشنطن للعرب. وهذا التغير لن يحدث إلا بقوة الوحدة العربية. لمزيد من مقالات طارق الشيخ