كأى حدث عظيم فى التاريخ، ستبقى الأسرار المحيطة بحرب السادس من أكتوبر، من أكثر الأمور المثيرة للشغف حتى بعد مرور 43 عاما على الملحمة. وفى العدد الماضى انفردت «روزاليوسف» بالمراسلات بين السادات ونيكسون وجولدا مائير فى غضون الحرب، بينما تواصل فى العدد الحالى نشر ما كشفته وكالة الاستخبارات الأمريكية عن المعركة الدبلوماسية التى كانت تدار بالتوازى مع المعركة على الجبهة. فى الوثائق التى أفرجت عنها ال«سى آى أيه»، يتضح أن الثقة بين واشنطن وتل أبيب كانت انهارت، حيث أخذ البيت الأبيض يتشكك فى تأكيدات جولدا مائير بأن جيش الاحتلال يتقدم، وهو ما تؤكده مراسلات «سى آى أيه» للرئيس نيكسون شخصيا. وفى 23 أكتوبر.. حبست الولاياتالمتحدة أنفاسها خوفا من معلومة استخباراتية لم يتسن التأكد من صدقها، وهى أن الاتحاد السوفيتى زود مصر بأسلحة نووية. كان هذا الخبر يعنى أن إسرائيل ستمحى من الوجود، الأمر الذى دفع واشنطن إلى تحذير إسرائيل من توسيع نطاق المعركة، وبالتوازى أعلنت الولاياتالمتحدة حالة التأهب من مستوى «ديفكون الثالث» وهو أعلى مستويات التأهب الأمني، وكانت واشنطن قد أعلنته آخر مرة مع أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. كما اهتمت المخابرات الأمريكية بتحليل مقالات كبار الكتاب بالصحف المصرية وعلى رأسهم الراحل إحسان عبدالقدوس، الذى كان يدعو الجيش إلى تحقيق نصر حاسم يقصم ظهر العدو، ويحقق الغلبة لمصر. هذه الدعوة احتلت اهتماما كبيرا بالنسبة لمتخذى القرار فى البيت الأبيض وقالت المخابرات الأمريكية وقتها إنها دعوة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، خاصة أن الكاتب الكبير كان مقربا من السادات، وربما يكون كلامه نظرا لامتلاكه معلومات ما عن قدرة الجيش المصرى على الحسم. 23 أكتوبر.. أطلعت «سى آى أيه» الرئيس نيكسون على أن إسرائيل أعلنت أنها سوف تستمر فى الحرب مع مصر رغم التحدث عن مباحثات لوقف النار ولكنها زعمت أن الجانب المصرى اخترق وقف النار.. والقاهرة ردا على ذلك اتهمت تل أبيب بأنها استغلت الليل لإعادة ترتيب مواقعها على الجانب الغربى من قناة السويسوالقاهرة وأكدت أنها سوف تحارب الإسرائيليين والوحدات العسكرية التابعة لهم وجاء تقدير المخابرات الأمريكية أن إسرائيل ليس لديها ما يثبت ما تقوله عن المصريين. ومع استمرار الضغط العربى أخذ الدولار الأمريكى يشهد هبوطا فى أسواق المال وتأثر بسلاح النفط، حيث انخفض بنحو %1.5 أمام العملات الأوروبية والعوامل الوحيدة التى ساعدت على عدم انخفاضه بشكل أكبر هو أن أوروبا نفسها تأثرت بالممارسات العربية فتهاوى الجنيه الاسترلينى والفرنك الفرنسي. يوم 24 أكتوبر.. تم الاتفاق على وقف إطلاق النار مجددا بين الجانبين المصرى والإسرائيلى وكانت القوات الإسرائيلية داخل مدينة السويس وأكد مجلس الأمن الدولى ضرورة وقف إطلاق النار وتم إرسال 3 مسئولين أمميين إلى المنطقة للتأكد من التزام الجانبين، فى نفس الوقت التقى موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى بمسئول أممى وفى نفس الوقت كان هناك مسئولون أمميون فى الجولان، حتى وافقت سوريا على القرار. العنجهية الإسرائيلية جلعت جولدا مائير تصرح فى الكنيست بأن موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار جاءت من موقف قوة فى نفس الوقت دعت إلى مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والعرب، وأكدت عدم انسحابها إلا بعد ضمانات للسلام، وهو ما جعل القاهرة تعلن أن تصريحات مائير تؤكد التعديات الإسرائيلية وفى نفس الوقت تحرج الولاياتالمتحدة التى دعت أولا لعملية وقف إطلاق النار. وتأثرت العلاقات السعودية - الأمريكية بسبب الخسائر التى حدثت منذ بداية أزمة الشرق الأوسط، حيث كانت الرياض مصممة على الضغط على واشنطن بل واستخدام كروت إضافية إذا لم تنسحب إسرائيل من الأراضى العربية، فى نفس الوقت أبدت السعودية بعض المرونة لوقف حد للخسائر، مع التزام الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود بوضع خطة لضغوط جديدة، ومنها تأميم شركة أرامكو الأمريكية وقطع بعض منتجات البترول ومنع الطيران الأمريكى من التحليق فى نطاق المنطقة، فضلا عن سحب الاستثمارات السعودية من الولاياتالمتحدة. كما جمدت إثيوبيا العلاقات مع إسرائيل رغم أنها كانت من أقوى الدول الأفريقية ارتباطا بتل أبيب، وكانت ثانى مصدر للمساعدات التقنية والعسكرية بعد الولاياتالمتحدة ولكن الامبراطور الإثيوبى هيلا سلاسى لم يتحمل ضغوط الجانب العربى والأفريقى عليه، وهو ما كان سيؤثر بحسب تقييمات المخابرات الأمريكية على موقف نيجيريا التى مازالت على علاقات مع إسرائيل. يوم 25 أكتوبر ركزت إحاطات المخابرات الأمريكية لنيكسون حول أن سوريا التزمت بعملية وقف إطلاق النار ولكن استمرت المعركة على الجبهة المصرية وقد أحرزت القوات المصرية مكاسب على الجانب الشرقى للقناة وكانت هناك تحركات إسرائيلية إلا أن هذا اليوم شهد بالفعل هدوءا مما أكد أن عملية وقف إطلاق النار مفعلة. ودعت 8 دول داخل مجلس الأمن لنشر قوات حفظ سلام طارئة فى الشرق الأوسط، ولم يتم تحديد الدول وفى نفس الوقت طالب الاتحاد السوفيتى والولاياتالمتحدة بالمشاركة فى تلك القوات لكن السوفييت لم يبدوا أى ترحيب مباشر واتهموا الجانب الإسرائيلى بكسر وقف إطلاق النار وعدم التزامهم به. واستشعرت «السى آى أيه» القلق الألمانى من الضغوط العربية واستخدام النفط كسلاح وهو ما أثر عليهم بشكل كبير وفى نفس الوقت كان الموقف الصينى بجانب العرب، بل إن بكين عرضت مساعدات اقتصادية على مصر. يوم 26.. أكتوبر أنذرت المخابرات الأمريكية نيكسون من أن الاتحاد السوفيتى أرسل أسلحة نووية إلى مصر عن طريق سفينة وصلت إلى الإسكندرية فى 24 أكتوبر، ولم تفرج «السى آى أيه» عن باقى تلك الفقرة فى الوثيقة وعن تفاصيل أخرى عن السفينة. وبدأت قوات حفظ السلام فى الوصول وكانت تضم حوالى 70 جنديا سوفيتيا، وفى نفس الوقت بدأ الموقف السوفيتيى تجاه النوايا الأمريكية يتحسن، حتى إن الصحافة السوفيتية وتحديدا وكالة تاس أشادت بتحركات وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر، ورغم ذلك أشارت المخابرات الأمريكية إلى انتقال جزء من القوات البحرية السوفيتية فى جزيرة كريت تجاه مصر وفى نفس المنطقة التى تحركت قوات أمريكية تجاهها، حيث وصلت حاملات الطائرات روزفلت وكيندي. وجمدت نيجيريا علاقاتها مع إسرائيل لتصبح الدولة الأفريقية العاشرة التى تقوم بذلك بعد إثيوبيا. يوم 27 أكتوبر.. انتهكت القوات الإسرائيلية عملية وقف إطلاق النار وسيطرت على مدينة السويس بعد قتال عنيف، فى نفس الوقت أصبح الرأى العام المصرى أقل تفاؤلا ووجه انتقادات كبيرة للسادات إلا أن السادات دافع عن نفسه لأن القوات المصرية كانت متفوقة على القوات الإسرائيلية عندما كانتا تواجهان كلتاهما الأخرى دون مساعدة إلا أن دخول الولاياتالمتحدة بشكل مباشر فى المعركة كان مؤثرا وإن لم يكن حاسما. وأبلغت المخابرات الأمريكية نيكسون أن الاتحاد السوفيتى كان على علم منذ أواخر سبتمبر أن مصر سوف تدخل حربا مع إسرائيل وفى يوم 3 أكتوبر كان السوفييت على علم بأن مصر على وشك الهجوم. واشتد الضغط العربى فى اتجاه وقف شحنات البترول للولايات المتحدة والدول الموالية لها، وفى اتجاه التأثير على الدولار وبدأت إجراءات تحويل الدولارات الأمريكية إلى استرلينى وأصبح موقف الاتحاد السوفيتى أكثر وضوحا فى إلزام إسرائيل للعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967. يوم 29 أكتوبر.. شهد علاقات متوترة بين الولاياتالمتحدة وحلف الناتو على خلفية الصراع فى الشرق الأوسط. يوم 30 أكتوبر.. تم رصد مقابلات بين مسئولين مصريين وإسرائليين من أجل مباحثات حول تبادل الأسري. يوم 31 أكتوبر.. أصرت إسرائيل على استلام الأسرى والقاهرة رفضت حتى تتراجع القوات الإسرائيلية إلى أماكنها قبل عملية وقف إطلاق النار، وزار دبلوماسيون أمريكيون القاهرة للاعتراض على هجوم الصحافة المصرية على الولاياتالمتحدة. وأبرز «السى آى أيه» مقالا لإحسان عبدالقدوس فى الأهرام فى تقريرها لنيكسون والذى طالب بعدم وقف القتال وأن على مصر أن تستعد إلى معركة عظيمة وأكثر قوة، ووصف عبدالقدوس بأنه من أعظم الكتاب المصريين ومن الأوائل فى الدعوة للحرب على إسرائيل. 1 نوفمبر 1973.. بدأت التحركات فى اتجاه زيارة السادات للسعودية ومن ثم التنسيق لمقابلة هنرى كيسنجر، تلك التحركات أدت إلى انتقادات داخل سوريا التى رفضت المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، وفى نفس الوقت وصلت أسلحة أمريكية جديدة إلى القوات الإسرائيلية. 2 نوفمبر.. عقد رابع اجتماع بين المسئولين المصريين والإسرائيليين حول أسرى الحرب. 3 نوفمبر.. زار السادات الكويت والتقى الرئيس السورى بشار الأسد وبعد ذلك طار إلى الرياض لمقابلة الملك فيصل، وكان محور الزيارة حول تحضير وزير الخارجية المصرى إسماعيل فهمى للقاء السادات مع كيسنجر، وبدأت التحضيرات للمفاوضات فى رومانيا.