فى عام 1917 صدر وعد بلفور بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، وزحف اليهود الذين كانوا فى الشتات فى العديد من دول أوروبا الشرقية والدول العربية إلى أرض فلسطين، واعتبروها أرض الميعاد التى تجمعهم ليقيموا فيها، وهم يعلمون فى قرارة أنفسهم أنهم اغتصبوها من أصحابها الحقيقيين، وبدأ الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى منذ ذلك التاريخ، واتخذ أشكالا متعددة وسقط آلاف الشهداء من شباب وشيوخ ونساء وأطفال فلسطين فى عمليات إرهابية إسرائيلية على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولى، الذى لم يحرك ساكنا وظل مناصرا لإسرائيل طوعا أو كرها، وتغلغل اللوبى اليهودى فى أنحاء العالم، خصوصا فى الولاياتالمتحدة، وأصبح اليهود من ذوى التأثير القوى فى الكونجرس والبنتاجون والخارجية الأمريكية والمخابرات ومراكز صنع القرار، وكونوا منظمة تعرف باسم إيباك تضم يهود أمريكا من أصحاب النفوذ والسلطة، وشكلوا قوة ضغط على أمريكا ورئيسها وأصبح التعاطف والتأييد لإسرائيل وأمنها ومصلحتها والحفاظ على بقائها وسط أعدائها العرب المحيطين بها هو سمة الحكم فى الولاياتالمتحدة ، ولم يجرؤ أى رئيس أمريكى أو مسئول فى أى موقع أن يلتزم الحياد ويقر بالحق الفلسطينى على جميع الأصعدة. وشهدت القضية الفلسطينية مراحل صعبة من الصعود والهبوط، تارة تتصدر المشهد فى الأحداث الدولية وتارة تختفى على استحياء أمام أحداث أخرى يرى العالم أنها أكثر أهمية، وضاعت الفرصة تلو الأخرى لحل القضية الفلسطينية، بالتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإنهاء هذا الصراع الدامي، ولعل أهم وأخطر هذه الفرص كانت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله، الذى فاجأ إسرائيل فى السادس من أكتوبر عام 1973 وحققت القوات المصرية نصرا كبيرا على إسرائيل بعد أن اقتحمت قناة السويس، وحطمت خط بارليف وثأرت لنكسة 67 التى احتلت فيها إسرائيل شبه جزيرة سيناء بالكامل، ووصلت إلى الضفة الشرقية لقناة السويس واحتلت هضبة الجولان السورية.
وبعد أربعة أعوام من نصر أكتوبر فاجأ الرئيس السادات إسرائيل والعالم للمرة الثانية بالذهاب إلى إسرائيل فى عقر دارهم، داعيا إلى السلام العادل والشامل مقابل انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وبدلا من مساندة الفلسطينيين والعرب للرئيس السادات اتهموه بالخيانة، وكونوا ما عرف بجبهة الصمود والتصدى برئاسة الرئيس العراقى صدام حسين، وكان هدف هذه الجبهة مقاطعة مصر وحصارها اقتصاديا وقطع العلاقات الدبلوماسية معها عقابا للسادات على مبادرته الشجاعة ،وانساقت جميع الدول العربية للأسف وراء صدام حسين عدا سلطنة عمان برئاسة السلطان قابوس بن سعيد الذى كان هو الزعيم العربى الوحيد الذى حافظ على علاقات بلاده مع مصر.
وبعد مائة عام من وعد بلفور جاء رئيس أمريكى يدعى دونالد ترامب واتخذ قرارا باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وفاء لوعده أثناء حملته الانتخابية، وأعلن عزمه نقل سفارة بلاده من العاصمة الحالية تل أبيب إلى العاصمة الجديدة، وطالب دول العالم بنقل سفاراتها إلى القدس. وقامت قيامة العالم العربى والإسلامى وبعض الدول الأجنبية تطالب بإلغاء القرار والإسراع فى حل القضية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية، وعقد مجلس الأمن اجتماعا عاجلا لبحث طلب تقدمت به مصر لإصدار بيان يطالب بإلغاء قرار ترامب، وبطبيعة الحال استخدمت أمريكا كالعادة حق الفيتو لمنع صدور مثل هذا القرار، وتعود القضية الفلسطينية إلى نقطة الصفر، ويدرك الفلسطينيون وكل من عارض الرئيس السادات أنهم أخطأوا فى حقه وفى حق فلسطين والشعوب العربية، وأن السادات سبق عصره بخطوة جريئة لم يستوعبوها للأسف إلا بعد فوات الأوان.