عقد خلال الفترة من2-27 يوليو الماضي في مقر الأممالمتحدة مفاوضات دولية حضرتها170 دولة لإقرار مشروع اتفاقية دولية لتنظيم تجارة السلاح التقليدية بين الدول المصدرة والمستوردة, وتأتي استمرارا للتفاوض حول الاتفاق الذي بدأ منذ عام2006, والذي هدف لعدم اعتبار الأسلحة والذخائر مجرد شكل آخر من أشكال السلع التجارية, إلا انه وبعد مفاوضات شاقة طيلة ثلاثة اسابيع مني المجتمع الدولي بصدمة الفشل في التوصل الي اتفاق حول المعاهدة وهو الأمر الذي اثار العديد من ردود الافعال الدولية الرسمية وغير الرسمية, وذلك لأهميتها للحفاظ علي السلم الدولي في ظل بيئة أمنية دولية مضطربة. علي الرغم من وجود300 اتفاقية ومعاهدة من أجل مراقبة أسواق السلاح في العالم اكتسبت الجهود الدولية لتبني الاتفاقية الدولية لتنظيم تجارة الأسلحة التقليدية(ATT) علي اهتمام غير مسبوق سواء من جانب الدول او المجتمع المدني العالمي وذلك يرجع الي انها المرة الاولي منذ إنشاء الأممالمتحدة تتم اتاحة الفرصة للحكومات بتحديد معايير دولية لنقل الأسلحة التقليدية والتي تعني في الوقت نفسة تحمل المسئولية. ويأتي ذلك لوضع أليات لمواجهة زيادة الاقبال علي التسلح منها اجراءات وقائية تتعلق بالعمل علي منع الصراع وتسويته وحله بالاضافة للدعم الاقتصادي والتنموي وبناء ثقافة السلام. وكذلك الجهود الدبلوماسية وتعزيز دور القانون الدولي للعمل علي حشد الدول لتبني معاهدة دولية ملزمة تحافظ علي روح ومقاصد ميثاق الاممالمتحدة. وهدفت اتفاقية تجارة الاسلحة التقليدية لحث الدول لوضع أعلي المعايير المشتركة الممكنة لتنظيم أو تحسين قواعد التجارة الدولية للأسلحة التقليدية, وتنظيم عملية استيراد وتصدير الأسلحة بشكل رسمي. وتنبع اهمية المعاهدة من اختلاف الجهود الدولية في مجال الاسلحة التقليدية عن الاسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو الجرثومية وذلك لسهولة نقلها واستخدامها وكثافه انتاجها ومخاطر تجارتها حيث يموت شخص كل دقيقة و2000 شخص كل يوم في العالم, ويتزايد ضحايا العنف المسلح في مناطق الصراع الدولي, ويؤثر استخدام تلك الاسلحة علي التنمية الاقتصادية حينما يتم توجيه النفقات تجاه شراء السلاح وليس تجاه التنمية, وهو ما جعل هناك سوقا ضخما يتكون من مصدريين ومستوردين ومنتجين وسماسرة وتبلغ حجم تجارة الاسلحة التقليدية60 مليار دولار ويفوق قيمة عقودها400 مليار دولارسنويا, وتشمل الاسلحة التقليدية, الاسلحة الفردية الخفيفة, والاسلحة المضادة للدروع ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة, ويمكن نقلها وتهريبها بسهولة عبر الحدود الدولية. ويتم استخدام عملية بيع وشراء الاسلحة التقليدية في تغذية الصراع الدولي وفي دعم قوة اطرافه وامتداد مجاله في العديد من دول العالم, وما يزيد خطورتها هو الأزمة الاقتصادية العالمية ودور الدول الكبري المصدرة والشركات متعدية الجنسيات المتخصصة في صناعة السلاح, وتغير البيئة الامنية الدولية التي غلب عليها الصراع ليس فقط بين الدول بل ايضا في بروز صراعات داخل الدول والمجتمعات. وتؤدي مشاركة عدد من الدول في مكونات تجارة السلاح سواء في الإنتاج والتجميع في بلدان مختلفة الي ضعف السيطرة علي تجارتها, ولا تزال تجارة الأسلحة التقليدية غير خاضعة لنظام دولي شامل ويمكن ان يحمل الزام قانوني للدول, وتفتقر عدد من الدول الي آليات وأطر قانونية لمراقبة تدفق الأسلحة اليها, وهناك دول تستغل ضعف دول اخري لتزويد قوي معارضة بها بالسلاح لتحقيق اهداف سياسية اوان يتم استخدام مشتريات السلاح في دعم نشاط الجريمة المنظمة او الارهاب وهو ما يجعل هناك طلب علي السلاح والذي يستخدم للقيام باعمال غير مشروعة كالترهيب والعنف والجرائم ضد الانسانية. وفي حين امتلأ العالم بالاسلحة اصبح يعاني من نقص التمويل لدعم جهود صنع السلام فقد بلغت المخصصات المالية لشراء السلاح في دول العالم لاكثر من تريليون دولار, وبلغ حجم الانفاق العسكري لجميع الحكومات الحالية في ستة أسابيع ما تكلفته عمليات حفظ السلام في الأعوام الستين الماضية, بل وخسرت23 دولة أفريقية284 مليار دولار في شكل تنمية اقتصادية خلال15 عاما فقط بسبب النزاعات المسلحة. صراع علي السوق ودعت الأممالمتحدة لأن تكون حقوق الانسان معيارا ملزما للحكومات عند تحديد السماح بتصدير الاسلحة لدول بعينها, وممارسة الضغط علي الولاياتالمتحدة بضرورة مراعاة ذلك. ويأتي ذلك مع معارضة روسيا والصين وإيران وكوبا وباكستان تضمين اي بنود تربط بين حقوق الإنسان أوشراء اوبيع الاسلحة, ومثلت الازمة السورية فيما يتعلق بتسليح الجيش السوري نموذج لذلك مع اعتمادة في وراداته علي روسيا والصين وايران وطريقة تعاملة العسكري مع الاحتجاجات الداخلية وهو ما اعتبره البعض انتهاكا لحقوق الانسان.. وخاصة مع توجه دولي بوقف تصدير أية شحنات للمناطق التي تعاني من التوترات أو الصراعات العرقية المهددة بالإبادة الجماعية. وبينما عارضت الولاياتالمتحدة الاتفاقية في ديسمبر.2006 الا انها هذه المره طالبت بان تكون الموافقة علي الاتفاقية بالاجماع بين193 دولة لكي تكون سارية بدلا من إقرارها بأغلبية الثلثين وهم65 دولة وهو شرط تعجيزي تسبب في ادراك القوي الاخري عدم جدية الولاياتالمتحدة في اتخاذ خطوات ملموسة في سبيل تنظيم تجارة السلاح الدولي. وما عزز ذلك معارضتها بوضع بنود تتعلق بحصر الاسلحة خشية جماعات الضغط المرتبطة بالصناعات العسكرية وذات النفوذ القوي في دوائر السياسة الامريكية. والذي ربما يرتبط بخوض اوباما حملته للانتخابات الرئاسية. وتعترض الولاياتالمتحدة علي تضمين الاتفاقية بندا يطالب بالتصريح عن الذخائر التي يجري بيعها. وتتكون سوق السلاح الدولي من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولاياتالمتحدةوروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا بالإضافة إلي ألمانيا بنسبة80% من جميع صادرات الأسلحة في العالم. ويأتي40% منها فقط من الولاياتالمتحدة بما يجعلها اكبر مصدر للسلاح في العالم ومن اكبرالمستوردون الهند وباكستان و فنزويلا. وبينما وافقت فرنسا والمانيا علي الاتفاقية عارضتها كوريا الشمالية وكوبا وإيران وفنزويلا وسوريا, واقترحت روسيا حصر بيع الاسلحة بالجهات الحكومية, وحملت مسئولية الفوضي في تجارتها للدول الغربية التي تسمح للوكلاء والسماسرة بممارسة التجارة وهو ما يفقد السيطرة علي السوق. وعبرت روسيا والصين ودول أخري مصدرة للسلاح وبعض الدول الاوروبية عن مخاوف من اقتراح اتفاقية تحظر نقل السلاح لدول قد تستخدم الاسلحة فيها في انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان. وأن ذلك يمكن أن تثني تلك الدول عن توقيع اتفاقيات تجارية. بينما اعترضت الصين علي شمول الاتفاقية الأسلحة الصغيرة. وهو ما يعبر عن حجم المنافسة في سوق السلاح الدولية بين الدول المصدرة وحصصها في حجم التجارة الدولية والخوف من فرض الاتفاقية قيود علي الدول المصدرة وهو ما دفع الولاياتالمتحدة بالضغط السياسي علي الدول الاوروبية, والتي تعتبر صادراتها من السلاح واحدة من ادوات سياستها الخارجية وجزء من مكانتها الدولية عبر تقديم المعونات العسكرية لحلفائها في مواجهة خصومها المحتملين كروسيا والصين. تحديات المستقبل في حين يحرك المصدرين للسلاح التدفقات المالية فان البحث عن الامن هو من يحرك الدول المستوردة, في سوق تبدو الدول هي الفاعلة فيه, ولكن الحقائق تشير الي وجود دور للشركات الدولية ومصانع الاسلحة وارتباطها بصنع القرار في الدول المستوردة والمصدرة, وهناك تشابك بين عوامل العرض والطلب التي تحرك تلك التجارة ومنها تعاظم التهديدات الامنية, والضعف في البنية الصناعية للدول المستوردة, وتعدد مناطق الصراع والتوتر في العديد من دول العالم. وخاصة المنطقة العربية في مرحلة ما بعد الربيع العربي. وعلي الرغم من اهمية الجهد الدولي الذي تم بذله في سبيل التوصل لاتفاقية دولية لتجارة السلاح التقليدي الا انها عانت من بعض القصور, ولعل من اهمها عدم إدراج قواعد دولية صارمة بشأن السمسرة, وتجريم منتهكي هذه القواعد. والفشل في وضع تمييز بين تجارة الأسلحة, ونقل الأسلحة في شكل هبات ومساعدات, وغياب الإجراءات العملية لمنع قوع هذه الأسلحة في الأسواق السوداء, وعدم وجود نص بأن يكون توريد هذه الأسلحة يكون فقط للهيئات الحكومية المفوضة, وهو ما يعني وجود ثغرات لتسرب الأسلحة إلي أيدي المنظمات غير الحكومية بما فيها الإرهابية والإجرامية.وكذلك غياب بنود في المعاهدة تمنع استعمال الأسلحة ضد المدنيين خاصة في المظاهرات السلمية, ومنع امداد الأسلحة لمناطق الصراعات. وتبقي فرصة انقاذ المعاهدة ممكنة عبر تنظيم مؤتمر دولي آخر في المستقبل أو التوجه إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر القادم وعرض مسودة المعاهدة الحالية علي الجمعية, وطلب التصويت عليها, وإن مرت بأغلبية الثلثين فستكون ملزمة للجميع, وهو أمرسهل تحقيقه الا ان المعضلة تكمن في أن فاعلية الاتفاقية تتوقف علي موقف الدول الكبري في تصدير السلاح والتي تعلي من مكاسبها المالية علي حساب ارواح الابرياء في دول العالم والذي يعد تهديدا للسلم والامن الدوليين وحقوق الانسان والتي طالما تتشدق تلك الدول بالدفاع عنها.